• كيف يمكن تعقب المستفيد الفعلي في حالات عدم ظهور أي مستفيد علني؟
- يعني تعقب المستفيد الفعلي، محاولة اكتشاف المستفيد في الحالات التي لا يظهر فيها أي مستفيد وفق الاحتمالات المذكورة في الفقرة السابقة، فهنا يكون المستفيد الفعلي هو:
- الشخص الطبيعي المستفيد عبر وسائل أخرى غير الملكية أو حقوق التصويت (م/5-4)، وقد اكتفى القرار بطرح المثال عن هذه الوسائل بحق تعيين أو عزل الإدارة (م/5-1)، كأن يكون لأحد المؤسسين في الشركة حق تعيين أو عزل أعضاء مجلس الإدارة، وهكذا يكون المؤسس مسيطرا على الشركة.
- الشخص الطبيعي الذي يشغل منصب مسؤول الإدارة العليا (5-5)، مثل رئيس مجلس إدارة شركة المساهمة الذي يمثل شخصيتها أمام الغير والقضاء.
وفي الواقع، تعتبر قواعد التعقب التي جاءت بالقرار غير كافية من وجهة نظرنا، فالمجرم الراغب بغسل أمواله قد يقوم بتسخير رئيس مجلس إدارة شركة حتى يقوم بتنفيذ معاملاته المشبوهة، دون أن يظهر المجرم في أية سجلات ملكية أو تصويت أو أية حقوق أخرى واضحة أو متسلسلة ولا مباشرة ولا حتى غير مباشرة.
فعلى الرغم من أن القاعدة النهائية لتحديد الشخص الطبيعي كمستفيد فعلي تريح الجهات الرقابية، لأنها تركز في إجراءاتها على الإدارة العليا، لكن هذه الإدارة قد لا تكون إلا واجهة للمجرم الحقيقي الذي يتم غسل الأموال لمصلحته.
وقد جاء القرار بأن المستفيد الفعلي هو ذلك الشخص المالك أو المسيطر على شخص اعتباري، الذي يجب أن يكون معروفاً للجهات الرقابية، حتى لا يستطيع تنفيذ تعاملات مشبوهة في إطار غسل الأموال.
• ماذا يترتب على المستفيد الفعلي من التزامات وفق قرار وزارة التجارة رقم 4/2023؟
- فرض قرار وزارة التجارة الالتزامات التالية:
أولاً: الالتزام بالشفافية على الشخص الاعتباري
تتضمن هذه البيانات -إلى جانب التقليدية- بياناً بالأشخاص ذوي الصلة، وهم أصحاب مناصب الإدارة العليا في الشخص الاعتباري، والتي يجب توفيرها للمسجل خلال 60 يوماً من نفاذ قرار الوزارة (م/11-1)، حيث ينفذ القرار في 1-4-2023 (م/18 قرار).
في هذا الالتزام، يجب أن تكون للشركة -كشخص اعتباري مثلاً- شفافية لما لديها من بيانات تسمح بتحديد المستفيد الفعلي، والذي هو الإدارة العليا إذا لم تتوفر نسب الملكية أو التصويت أو السيطرة.
فإذا تبين أن عضو الإدارة ليس هو المستفيد الفعلي، فعندئذ يعتبر هذا العضو عضواً اسمياً كونه يخضع لتوجيهات أو تعليمات أو إرادة شخص آخر (م/1 قرار)، وعلى هذا العضو الاسمي إخطار الشخص الاعتباري بكونه كذلك (م/9 قرار).
وهنا يظهر تناقض واضح في هذه القاعدة، فكيف يمكن لعضو الإدارة الاسمي الخاضع لنفوذ المستفيد الفعلي أن يفصح عن ذلك، في الوقت الذي يسعى المستفيد للتخفي وراء شخصية هذا العضو؟!
• ما هي طبيعة الالتزام بالشفافية؟
- تجدر الإشارة إلى أن الالتزام بالشفافية يعني أن تكون بيانات الشركة متاحة في سجل رسمي عام.
بناء عليه، يكون على جميع الشركات الاحتفاظ بسجل أسماه القرار: «سجل المستفيد الفعلي» والذي يعتبر جوهر الالتزام بالشفافية عن المستفيد الفعلي، فهو مبادرة من الشخص الاعتباري للكشف عن المستفيد الفعلي منه.
• من هو الشخص الملزم باتخاذ إجراءات للحصول على بيانات المستفيد؟
- بخصوص المستفيد الفعلي من غير الإدارة العليا مثل المسيطر بموجب ترتيبات خاصة، فهنا أوجب قرار وزارة التجارة على الشخص الاعتباري ذاته أن يتخذ «إجراءات معقولة للحصول على بيانات ملائمة ودقيقة ومحدثة أولاً بأول عن المستفيد الفعلي منه (أي من الشخص الاعتباري) والاحتفاظ بها» (م/6-1 قرار).
فإذا وجدت الشركة مثلاً -أو غيرها من الأشخاص الاعتبارية- أن شخصاً ما هو المستفيد الفعلي، فعليها إخطار هذا الشخص بضرورة تقديم تفسير تحت طائلة تسجيله كمستفيد فعلي في سجل المستفيد (م/7-1 قرار).
وهذه القاعدة قد تصبح غير ذات جدوى في الواقع، لأن مهمة تعقب المستفيد الفعلي يجب أن تكون ملقاة على عاتق الجهات الرقابية التي تسعى لاكتشاف الترتيبات المخفية للمستفيدين الفعليين، ويكون على الشخص الاعتباري الاستجابة لتحقيقات الجهات الرقابية وتقديم المستندات التي تطلبها.
أما عن التزام الشخص الاعتباري باتخاذ إجراءات معقولة للحصول على بيانات المستفيد الفعلي، فهو التزام شكلي، طالما أن المستفيد الفعلي هو من يفرض نفوذه على هذا الشخص الاعتباري، ويمنع الإدارة من الكشف عن هويته.
• ما هي وقائع المنازعات القضائية الممكنة حول التسجيل في سجل المستفيد الفعلي؟
- مادام الشخص الاعتباري هو الجهة الملزمة بالإمساك بسجل المستفيد الفعلي منه، فهو أيضاً مسؤول عن صحة البيانات الواردة في السجل.
ومن الواضح أن التزام الشخص الاعتباري بالتحري عن بيانات المستفيد الفعلي ومسك السجل، قد وضعه أمام التزامات ثقيلة واحتمال نشوء منازعات جوهرية، خاصة إذا كانت أسباب التسجيل في السجل محل نظر من القضاء.
ثانيا: الالتزام بالإفصاح على الشخص الاعتباري
• ما الفرق بين الالتزام بالإفصاح وبين الشفافية؟
- جاء في قرار وزارة التجارة، منح «المسجل» صلاحية طلب أية بيانات مطلوبة إضافة إلى بيانات التسجيل المذكورة في القرار (م/11-2 قرار).
وفي هذا الإطار يكون الالتزام تحت مسمى «الإفصاح» وليس الشفافية، لأن الشخص الاعتباري يكون ملزماً بتقديم بيان محدد إلى جهة محددة، وليس إتاحتها للجمهور فقط.
• من هو الشخص الطبيعي المكلف بتنفيذ الالتزام بالإفصاح لدى الشخص الاعتباري؟
- نص قرار وزارة التجارة على أن الشخص الاعتباري ملزم بتعيين شخص طبيعي مقيم بالدولة، بحيث يكون مكلفاً بمهمة الإفصاح إلى المسجل، ويحظى هذا الشخص بتخويل صريح من الشخص الاعتباري (م/11-4 قرار).
فمثلاً، إذا أصدرت الشركة أسهماً أو حصصاً باسم أشخاص أو أعضاء الإدارة، فيكون على الشخص المكلف بالإفصاح أن يتقدم إلى المسجل بإفصاح عن بيانات الإصدار من حيث الحصص أو الأسهم وهوية هؤلاء الأشخاص أو أعضاء الإدارة (م/11-5).
• هل يوجد إعفاء من الإفصاح الخاص بالمستفيد الفعلي؟
- تجدر الإشارة هنا إلى أن الإعفاء يختلف عن الاستثناء من نطاق التطبيق، فالشخص المستثنى -مثل شركات المملوكة للدولة بالكامل (م/3-2 قرار)- لا تخضع أصلاً لهذا القرار، بينما الشخص المعفى هو شخص خاضع للقرار، لكنه معفى من تطبيقه لظروف وبحدود معينة.
وقد نص قرار وزارة التجارة على إعفاء واحد من الالتزام بالإفصاح في حالة كون الشخص المطلوب منه الإفصاح محامياً أو محاسباً، وذلك إذا كان الإفصاح متعلقاً بخدمة قانونية أو محاسبية أو استشارة في هذا الخصوص (م/12-3 قرار).
والغاية من وراء هذا الإعفاء هي أن الإفصاح في هذه الحالة ينتهك السرية المهنية لعمل المحامي أو المحاسب، وقد يعرضه لمسؤولية تأديبية أمام جمعية المحامين أو المحاسبين أو أمام القضاء.
• هل يمكن أن تؤدي التزامات الشفافية والإفصاح المرتبطة بالمستفيد الفعلي إلى عرقلة الاستثمار في الدولة؟
- إضافة إلى أن الالتزام بالشفافية والإفصاح عن الشخص الاعتباري لا يحسم مسألة تعقب المستفيد الفعلي، فإن هذه الالتزامات قد تؤدي الى إنشاء مناخ طارد للاستثمار في الدولة من وجهة نظرنا.
فعلى الرغم من أن قرار وزارة التجارة قد جاء بغاية صريحة مفادها تطوير بيئة الأعمال وقدرات الدولة ومكانتها الاقتصادية (م/2-1 قرار)، إلا أن التطبيق المبالغ فيه لصلاحيات المسجل في طلب البيانات قد يؤدي إلى هروب الاستثمارات، خاصة إن لم تكن معفاة من الإفصاح عن أسرار عملائها، كما هو الحال مع المحامين والمحاسبين (م/12-3).
أكثر من ذلك، أن قرار وزارة التجارة قد سمح للوزارة بمشاركة بيانات سجل المستفيدين الفعلي وسجل الشركات والمساهمين مع الجهات الدولية والأجنبية (م/15)، دون أن يضبط القرار صلاحية المشاركة هذه بأية مخاطر فعلية أو شكوك جنائية، وما شابه.
بناء عليه، نستطيع القول بأن قرار وزارة التجارة المتعلق بالمستفيد الفعلي بحاجة، ليس فقط إلى قواعد أكثر فعالية بصدد تعقب المستفيد المتخفي واكتشاف العمليات المشبوهة، بل إلى المزيد من المراعاة لغايات الجذب الاستثماري وضمان خصوصية الأعمال وحماية أسرارها التجارية وعدم مشاركة سجلاتها وبياناتها مع جهات أجنبية أو دولية إلا بموجب واقعة تبرر هذه المشاركة لوجود خطر على المصلحة العامة.
كيف لعضو الإدارة الاسمي الخاضع لنفوذ المستفيد الفعلي أن يفصح عنه في وقت يسعى هذا المستفيد للتخفي وراءه؟!