من غير أحلام
لا مكان للتمنيات والأحلام عن تشكيل الحكومة الجديدة، فلن تكون جديدة، ربما يتم تبديل بعض (أو كل) الأسماء، ولكن روح الحكومة القادمة وجوهرها واحد وثابت ثبات الفكر الذي قام باختيار معظم الحكومات التي سبقتها، المحاصصة حسب الوصفات العائلية والعشائرية ستعود على حالها، فكل إناء بما فيه ينضح، وهذا هو الإناء السياسي الكويتي الخائب الذي لا يقدم لكن يؤخر كالساعة المعطلة، والمجلس المعطل والحكومة المعطلة والإدارات المعطلة إلى ما شاء الله.
أكثر من معضلة السلطة الحاكمة التي تختار الأسماء السعيدة للوزارة القادمة وفق رؤيتها الثابتة، هي أيضاً أزمة المجتمع الذي أفرز نواباً مغيبين عن واقع الحداثة ومشاكل الدولة والاقتصاد والسياسة، شاهدنا أولويات العديد منهم، هي محدودة بصرف أموال الحاضر وتناسي الغد وتحدياته، يريدون التكسب من الصوت الانتخابي مهما كان بكل وسيلة، اقتراحات بقوانين مخجلة، كطي قضايا الحريات وأزمة الاقتصاد القائم على مصدر أحادي للدخل ليحشروا أولوية محاربة السحر وحكايات الجان والعفاريت بعد أن انتهوا من إعلان الحرب على أشجار الكريسماس وإقامة الحفلات، وأقاموا الدنيا ولم يقعدوها لتوفير عدالة تلفيقية حسب معايير السياسة الحزبية الدينية، فالموظف الذي يعمل ثلاث ساعات له الحق براتب من يعمل بدوام كامل، كحال إدارتين في وزارة الأوقاف، لم يكن هناك أي سبب تاريخي يبرر خلقهما من الأساس، ولكن المجاملات والاسترضاءات السياسية هي المهيمنة.
وإذا التفتنا نحو السلطة السياسية كما يمثلها وزراء يسبحون مع التيار نجدها تسارع وتشارك في الخطأ، فتتراجع وتقول «حاضرين للطيبين»، ونعمل استثناء لهؤلاء حسب وصفات ديوان الخيبة المدنية، وانتهينا إلى واقع دولة الفوضى في التشريع وغياب العدل والمساواة.
كما مللنا من ترديد مقولة «مكان ما تضربها عوجه». كيف يمكن التغيير والبدء بالإصلاح مع هيمنة أوهام حكايات ألف ليلة وليلة والكويت 2035 إذا كانت مجرد كلمة «تغيير» تعد من المحرمات عند السلطة السياسية المتفردة بالقرار، ولا تنظر لمستقبل الدولة وهو مستقبلها في النهاية، خراب وفساد في كل مكان من الشوارع حتى مؤسسات التعليم التي هي وحدها تمثل الأمل في القادم؟
ليست هي مشكلة حكومة قادمة يرضى عنها أو يختارها مجلس نيابي لتحقيق الديموقراطية فقط، فأولاً ليست لدينا ديموقراطية جدية منذ البداية وإنما نظام أوليغارشي (حكم الأقلية) معيب يخضع لتحكم السلطة الحاكمة، وثانياً لو حدث أن توافقت تلك المجالس شبه النيابية المقيدة بسلطة الحكم، فهذا يعني قذف الدولة لقرون سالفة مضت، وهذا ما حدث فعلاً في أتفه الأمور بينما في مسائل الجد والتجديد لا مكان للتوافق، فليست الديموقراطية هي حكم الأغلبية كما يرى الكثيرون وإنما هي وعي سياسي - اجتماعي بفكرة الحرية والعدالة والتنمية وحقوق الإنسان، وهذه كلها بعيدة عن إفرازات الصوت الانتخابي الذي تصوغه السلطة الحاكمة بين كل وقت وآخر حسب صراعاتها الداخلية وتسلط قوى النفوذ بين أفرادها.
لن يحدث جديد في الحكومة القادمة، وليست هذه وجهة نظر متشائمة، بل هي قراءة مملة لواقع خامل مغيب عن الزمان - المكان.