في داخل كل فرد توجد ذات أخرى تسكنه، تولد وتموت معه، يطلق عليها مسميات عدة، منها الضمير، والروح، والبصيرة، هذا«الآخر بداخلك» لا يشيخ بتوالي السنين، لكنه ينضج بتجارب الحياة، هو أجدر من يعبر عن سمات شخصيتك وثبات كينونتك، تسمع وقع نبضاته لكن لا تراه، يحدثك طوال يومك فلا تمل منه، جزء لا مادي من وجودنا، تأتمنه على أسرارك ويستفزه ضعفك، يحتفظ بسجل نجاحاتك وإخفاقاتك، أنيسك في وحدتك ومحاميك بلا مقابل، رفيق درب خفيف الظل، هو في الواقع قشرتك الداخلية الحساسة التي تأبى المس بها أو خدشها، هو جوهرتك المصونة وقوام ثقتك فلا تفرط فيه.
ليكن من أولوياتك في الحياة أن تفهم «الآخر بداخلك» وتتعرف على طبيعته قبل أن تفهم طبائع الآخرين، فالأول يتطور ببطء، وتدرك أسبابه ومغزاه، في حين الآخرون من شبه المستحيل إدراك نوازعهم الداخلية وسمات شخصياتهم المتقلبة والغامضة.
لن تتحقق لك السعادة والطمأنينة إلا بالتواصل والانسجام مع «الآخر بداخلك»، فأول شكوى منك ستسرها حتماً لهذا «الآخر بداخلك» قبل أن تبثها لمن تشاء.
عليك مسؤولية ألا توفر الفرصة أبداً «للآخر بداخلك» لينبهر بالآخرين، فيسلبوك ذاتك الداخلية وينقضوا حصن الثقة الذي تستمدها منه، وتأكد أن الانبهار بالآخرين إنما هو عواطف جياشة لا تتكئ غالباً على قرار عقلي محض، واعلم أن أغلب طبائع البشر محاولتهم فرض أفكارهم وآرائهم على الآخرين حيثما اقتدروا على ذلك، لذا دع «الآخر بداخلك» هو الذي يتبنى أفكارك ويفرض قرارك، واسمح له بحرية الاختيار لينتقي ما يشاء من أفكار أو التعبير عن عواطفه وأحاسيسه بلا كبت أو تردد، وتذكر أنك قد تكون أول وأكثر من يظلم «الآخر بداخلك» قبل أن يتعدى ويتجاوز الآخرون عليه.
إن أفكارك وآراءك وتفسيراتك الشخصية إن لم تنبع (أساساً) من إرادة «الآخر بداخلك» فتَيقن أنها أفكار ورغبات وتفسيرات الآخرين قد فُرضت عليك وأنت غافل عن ذلك تماماً، وعندما تجد إنساناً أفضل من «الآخر بداخلك» فاعلم أنك لم تصل بعد إلى الكمال الذي تنشده.