جاء مؤسس الكويت الحديثة عبدالله السالم بدستور وطني ينظم المشاركة بالحكم، ويضمن فصل السلطات ويلبس المال العام الحرمة، فانطلقت الديموقراطية المكتوبة وانطلقت معها السكرات الديموقراطية التي تغيب وتصحو، وما غابت الا بوجود ترضيات، وما صحت إلا على أزمة مثل (سوق المناخ) التي بسبب غض البصر كانت أكبر أزمة مالية بتاريخ الدولة، لكن الكويت تستمر وتتجاوز أزمات كثيرة مع غطاء شعبي كبير يدعم المؤسسة الحاكمة وشرعيتها، وها هو الخطاب السامي يؤسس العهد الجديد، ويشرع لمرحلة القدرة على تحقيق الرؤية الجديدة.
ربط ذهني تلك الأحداث الوطنية برحلة البحث عن النفط في السعودية ودخول الشركات العالمية في سباق لاستخراج الذهب الأسود، كانت هناك ثقافة جديدة تتسلل للمجتمع، وهي استخدام الآلة عوضا عن الجمل، كانت نجد والحجاز مع رحلة جديدة في السياسة والاقتصاد مع العالم الجديد.
«أرامكو» تخرج من رمال الصحراء وتتشكل وتتبلور وتصبح كياناً مؤثراً على الساحة العالمية والمحلية يرفع شعار «كل ما ينفع أرامكو سينفع الدولة السعودية»، لكن الرؤية القديمة تقف وتخرج رؤية جديدة بشعار مختلف «الاستغلال الأمثل لكل الموارد وتطوير البنية التحتية للدولة السعودية الرابعة».
ثم نظرت لرؤية الكويت الجديدة، كانت معالمها جميلة وأهدافها كثيرة كلها تصب في مجرى واحد، وهي كويت المستقبل، طريق هذه الرؤية واسع، ويبدو أن البوصلة الموضوعة تخرج السلطة من الطريق الأصلي الى طرق غامضة ومجهولة.
تحتاج الإدارة الحكومية الممثلة بمجلس الوزراء الى كثير من الإرشادات أهمها التواصل مع المجتمع وتوضيح الأولويات والقضاء على إرث كبير من المحسوبية والفساد تكون مع حكومات سابقة وما زال مستمراً.
أولاً- التواصل الحكومي مع المجتمع: يفتقد إلى كثير من الجرأة والثقة في توضيح الملفات، وهنا على سبيل المثال (إسقاط القروض، استقالة الحكومة، تسليم سوق شرق)، حيث إن أفراد المجتمع يقعون فريسة سهلة للإشاعات والخطابات الساحرة دون توضيح حكومي ينهي حالة الشك.
ثانياً- الأولويات الحكومية في إعداد كويت المستقبل: غير واضحة ولم تحدد كيفية تطبيق خطة التنمية والقطاعات المستهدفة للتطوير خلال مدة زمنية محددة.
ثالثاً– الفساد في ثقافة المجتمع: الكويت دولة مؤسسات، وتميل لمبادئ العدالة والمساواة، لكن التطبيقات العملية تشير إلى أن القائمين على تلك المؤسسات يميلون لترسيخ الواسطة والمحسوبية، وكان آخر موضوع يطرح إعلاميا «التعيين في مؤسسة الموانئ الكويتية».
في أزمة كورونا كانت ثقة المواطن بالحكومة عالية، والالتزام بالقرارات التنظيمية جديرة بالذكر بسبب تواصل مباشر بين الحكومة والشعب، لكن مسلسل سكرات الديموقراطية مستمر مادام العمل السياسي في الكويت غير منظم، ويخضع للضغوط الشعبية والأهواء الشخصية والفراغ الدائم التي تخلقه السلطة وتحاول ملئه بترضيات لا تخدم التعاون المستمر بين السلطات.