عاشت مملكة البحرين، لثلاثة أيام متتالية، أجواء احتفالية، بمناسبة إطلاق اسم الفائز بجائزة عيسى لخدمة الإنسانية، فقد حظيت برعاية ملكية واهتمام إعلامي شارك فيها نحو خمسين صحافياً ومراسلاً من المنطقة العربية والعالم.
الجائزة تحمل اسم حاكم البحرين الأسبق، الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، في دورتها الخامسة، بعد الإعلان عنها عام 2009، وتُعقد كل سنتين، تحمل رسائل حرصت الدولة ووزارة الإعلام البحرينية على إيصالها إلى أكبر شريحة ممكنة على مستوى العالم.
سفراء الجائزة
ففي لقاء مفتوح، وفي اليوم الأول، عقد وزير الإعلام د. رمزان بن عبدالله النعيمي، مؤتمراً صحافياً شرح فيه أهداف الجائزة، باعتبار «اننا أبناء أسرة إنسانية واحدة».
كلام الوزير الشاب والمتحمس عكس «شخصية البحرين التاريخية كمكان للتعايش»، مخاطباً الإعلاميين: «أنتم سفراء لهذه الجائزة»، وشعب البحرين وقيادته ليسوا منفصلين عن هذه الأمة، بل هم في قلبها، وجزء منها.
كان اليوم الثاني من فعاليات الاحتفال عامراً، فقد حظيت المناسبة برعاية الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وسط حضور رسمي وشعبي ودبلوماسي، أقيم في مركز عيسى الثقافي.
صُناع الخير والرعاية الملكية
على المنصة الرئيسية جلس الملك متوسطاً الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة الممثل الخاص للملك، ورئيس مجلس الأمناء، وكذلك الفائز بالجائزة طبيب العيون النيبالي د. ساندوك رويت.
وفي الكلمة التي ألقاها الملك حمد بن عيسى، قال: «تؤكد التجربة العملية لهذه المبادرة العالمية أن خدمة الإنسانية هي ملاذنا الآمن نحو وحدة البشرية واستقرارها»، مضيفاً: «الجهود الاستثنائية لطبيب العيون الدكتور ساندوك رويت، هي أحد الأمثلة الحية والمشرقة لدور النوايا الصادقة في تحقيق الرخاء والسلام الإنساني».
وختم ملك البحرين كلمته السامية، بتقديم الشكر لكل مَنْ ساهم في الجائزة على جهودهم في تجسيد الرسائل النبيلة، بتكريم «صُناع الخير» من أصحاب الأيادي البيضاء، لتكون هذه المبادرة مرجعاً ملهماً لكل مسعى مخلص يعتني بالأخوة الإنسانية ويرتقي بها.
صدى عالمي
وكانت كلمة لرئيس مجلس أمناء الجائزة، الممثل الخاص للملك، الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة، مشيداً بالمبادرة الكريمة التي أنشأها ورعاها الملك تكريماً لمن يتفوق في خدمة الإنسانية، معتبراً إياها جسراً إنسانياً مهماً بين البحرين والعالم.
وتحدَّث عن علاقته بصاحب اسم الجائزة، الملك الراحل الشيخ عيسى بن سلمان، والذي «جمع القلوب حوله، وأجمعت على محبته»، منوهاً إلى ما حققته الجائزة من صدى عالمي وإقبال شديد بلغ 139 عملاً من أفراد ومؤسسات تقدَّموا لنيل الجائزة. وأشار إلى المعايير التي تحكمها، ليأتي فوز الدكتور ساندوك رويت بها بعد عامين من البحث والاستطلاع، والعديد من الجهود الميدانية، والشفافية المهنية في الاختيار، فطبيب العيون النيبالي برع في مجال اختصاصه، وتمكَّن بكفاءة عالية من ابتكار طريقة جديدة لعلاج مرض «عتامة العيون»، أو ما يُعرف باللغة الدارجة بـ «المياه البيضاء»، وقام، ومن منطلق إحساسه بالفقراء المحتاجين، بتصنيع وإنتاج العدسات رخيصة الثمن، وعلاج آلاف المرضى المصابين بالعمى من دون مقابل.
طبيعتنا الخيّرة
تخلل الحفل عرض فيلم وثائقي قصير عن الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، وفيلم آخر عن أعمال الدكتور ساندوك رويت، وكلمة للدكتور فرحان نظامي عضو لجنة التحكيم، قال فيها إن «هذه الجائزة تذكرنا بطبيعتنا الخيّرة، وإن القدرة على الرحمة تظل دائماً في عقلنا الباطن، والاحتفال بصاحب الجائزة هو تكريس لإلهام الخيّرين»، وكانت كلمة أخيرة للفائز.
وبعد مغادرة الملك والضيوف القاعة، دعا القائمون على الجائزة الإعلاميين لمؤتمر صحافي عقده الطبيب النيبالي، بمشاركة الأمين العام للجائزة الأستاذ علي عبدالله الخليفة مدير الجائزة
30 ألف عملية سنوياً
استطاع الطبيب النيبالي أن يعيد البصر إلى مئات الآلاف من الفقراء والمحتاجين بتقنية متقدمة، وبتكلفة منخفضة جداً، وصل ثمن العدسة إلى 5 دولارات، بعد أن أقام في عموم مناطق نيبال 18 مركزاً للعيون، وهناك حوالي 20 مليون مصاب بالمياه البيضاء حول العالم يحتاجون إلى عمليات جراحية. واستشهد الدكتور ساندوك بامرأة نيبالية أبصرت النور بعد تسعة أشهر من ولادة ابنها للمرة الأولى، وراحت تتحسسه وتضمه إلى صدرها، وبابتسامة أعادت لها الأمل بالحياة.
أوضح الدكتور ساندوك أنه يقوم سنوياً بإجراء 30 ألف عملية، وبتكلفة بسيطة جداً، ورأى أن أعمال الجائزة تتسم بالحيادية، وهي غير منحازة، فقد حصل عليها دون أن يترشح شخصياً.
وفي رده على أسئلة الصحافيين، تطرَّق إلى البدايات الأولى عندما كانت هذه العمليات تتم بواسطة نظارات ذات عدسات مكبرة عام 1991، وكانت التكلفة في حينه بحدود 200 دولار، عندما شرع بتصنيع العدسات، حتى وصلت اليوم إلى سعر 5 دولارات.
عرض الدكتور ساندوك للمصاعب التي واجهته، ورغم ذلك استطاع إنتاج 6 ملايين عدسة، وتوزيعها على 6 ملايين شخص يحتاجون إلى هذا النوع من العلاج، مؤكداً أنه لم تكن هناك شكاوى من المرضى بعد عمليات الزرع والجراحة.
وعن تعاونه مع منظمة الصحة العالمية، قال: «العمل معهم مُحبط، ولديهم بيروقراطية صعبة ومعقدة».
فلسفة الجائزة
بدوره، أوضح الأمين العام للجائزة أن القائمين عليها يلتزمون بمعايير واضحة وشفافة عند التقييم، من أبرزها أن تكون الجهة غير ربحية، وغالآلية والفريق الميدانيير حكومية، أي أنها تتوجه إلى قطاعات واسعة من المحتاجين، وفوق ذلك يقوم فريق عمل ميداني متخصص باستكشاف الحالات التي تنطبق عليها تلك المعايير.
وأضاف أن أعضاء لجنة التحكيم يمثلون قارات العالم، وهم مَنْ يرشحون المستحقين للجائزة، وهذا بخلاف ما يصلهم من ترشيحات عبر منظمات وهيئات أهلية ومجتمع مدني.
وبيَّن السيد علي الخليفة، أن فلسفة الجائزة قائمة بالأساس على استكشاف مواطن العمل الإنساني في الإنسان نفسه. وفيما يخص الطبيب النيبالي، قال: «فعلاً وصلتنا ترشيحاته من قِبل عدد من المنظمات الأهلية».
وعن القطاعات التي تشملها الجائزة، ذكر أن هناك عدة مجالات، منها: العمل الإنساني والتطوعي، وخدمة المجتمع، والحوار بين الحضارات، وتعزيز السلم العالمي، والعناية بالبيئة، والحد من الفقر في العالم.
الآلية والفريق الميداني
ما يميز الجائزة، التي أسست عام 2009، الآلية التي تعتمد عليها في اختيار الفائز، فهي أولاً تمنح كل سنتين لشخصية أو مؤسسة يتم اختيارها عبر سلسلة من الإجراءات الدقيقة والمحكمة من قِبل فريق من الخبراء، قيمتها مليون دولار، ونال هذه الدورة طبيب العيون النيبالي ساندوك رويت.
تقدَّم لنيل الجائزة 145 مرشحاً من مختلف بلدان العالم، تمَّت المفاضلة بينهم وفق اشتراطات الجائزة إلى 139 مرشحاً، ثم عُرضت أعمالهم على هيئة تحكيم، والتي خلصت إلى تحديد خمسة فائزين، تم تكليف فريق بحث ميداني للسفر إلى مواقع هؤلاء، وفي ضوء ذلك اختير الطبيب ساندوك، والذي نجح في ابتكار طريقة جديدة لعلاج مرض عتامة العيون، واستطاع أن يطور عدسة جديدة تزرع داخل مقلة العين يمكن إنتاجها بسعر أرخص من مثيلاتها، ويجري العملية في أقل من خمس دقائق، وهذا ما مكَّنه من علاج أكثر من 120 ألف مريض مصاب بالعمى، ومن دون أن يأخذ من مرضاه الفقراء أي مقابل مادي.
فريق البحث الميداني قام بزيارة معهد طب العيون في مدينة كتماندو عاصمة نيبال، ومستشفى هيتودا للعيون خارج العاصمة. وبعد اللقاء المباشر مع الطبيب والفريق العامل معه، والمسح الذي أجرى عمليات زرع العدسات في المستشفيات، تأكد فريق البحث أن المؤسسة التي يرأسها الطبيب النيبالي خيرية مستقلة، وغير ربحية، ولا تتبع للحكومة.
عنصر الابتكار في عمل هذا الطبيب يتمثل في اكتشاف عدسة تصنع من مواد اقتصادية تؤدي نفس الدور الذي تقوم به العدسة المستخدمة لذات الغرض عالمياً، وقد أسس د. ساندوك مصنعاً لإنتاج العدسات الرخيصة.
الشكر لهؤلاء
تولى مركز التواصل الوطني مهمة ترتيب وتنظيم الفعاليات، وقدَّموا جميع التسهيلات للصحافيين، وكانوا طيلة الأيام الثلاثة على صلة وتواصل دائمين، لتوفير ما يحتاجونه من مواد إعلامية وخلافه، وشكَّلوا فرقاً لهذه الغاية، وعلى رأسهم السيدة زينب النشيط مديرة إدارة الاتصال والعلاقات الإعلامية، وبمعاونة سيدات بحرانيات أبدين كل التعاون والتفهم، ومنهن السيدة سهيلة جاسم الشروقي، اختصاصي اتصال وعلاقات إعلامية، وعائشة علي الجودر، اختصاصي اتصال وعلاقات إعلامية، إضافة إلى آخرين لهم كل الشكر، ولوزارة الإعلام وقيادييها على الحفاوة.
أول نصب تذكاري للمرأة في البحرين
في اليوم الأول من فعاليات الاحتفال بجائزة عيسى للخدمة الإنسانية، اختار مركز التواصل الوطني أن يكون «نصب استذكار مسيرة المرأة ودورها في تحقيق التنمية الوطنية» المحطة الأولى لزيارة الصحافيين المدعوين والتعرف على المشروع.
تسمية المجسم «أثر» نسبة إلى الفريق الهندسي المختلط، من الجنسين، والفائز بالتصميم، وهو عبارة عن مرصد لتوثيق مكتسبات المرأة، وشاهد على إسهاماتها الوطنية، وهو يشكِّل المكان المناسب لاحتضان إبداعات المرأة.
وبعد أن تجمَّع الصحافيون في بهو النصب، وقفت إحدى المسؤولات في المجلس الأعلى للمرأة، لتشرح ماهية المشروع وعناصره. فهو يعكس تطور المعمار الحديث في مملكة البحرين لأول نصب تذكاري للمرأة وعرض إنجازاتها وقصص نجاحها.
وأشارت بيدها إلى النصب القابع خلف الزجاج، والمفتوح على منظر بانورامي لمدينة المنامة من الأعلى، بأن هذا المجسَّم يحتوي على أربعة عناصر، الأول البحر، نظراً لعلاقة المجتمع البحريني به على مر العصور، ودورها في إدارة الأسرة عند خروج الرجل في رحلات الصيد واللؤلؤ. والعنصر الثاني، هو المرأة، وما تمثله من معاني الأمومة والمسؤولية. أما العنصر الثالث، فهو الهندسة، والقائم على الدقة والتوازن. والعنصر الرابع والأخير، هو «الإنجاز»، والذي تجتهد المرأة في تقديمه.
240 ألف اسم نقشت على «صرح الميثاق الوطني»
بات موقع صرح الميثاق الوطني، من المعالم الهندسية والتاريخية التي يقصدها الزوار في مملكة البحرين، وهو أشبه بمتحف عصري يهدف إلى تخليد ذكرى أفراد ميثاق العمل الوطني، وتوثيق إسهامات شعب البحرين في بناء المجتمع الديموقراطي.
أول ما يلاحظه الزائر، وفي ممر طويل، نقش أسماء 240 ألفاً من المواطنين ممن أدلوا بأصواتهم بكلمة نعم للميثاق عام 2012 على أحجار المبنى المتصلة والممتدة قبل أن تدخل قاعة العرض.
أوكلت إلى «الصرح» عدة مهام، منها إقامة البرامج والأنشطة التثقيفية والفكرية، ودعم كل فكر إبداعي وثقافي على الصعيد الوطني، والتعاون مع المؤسسات الوطنية والمنظمات الدولية ذات العلاقة.
يحتوي «الصرح» على قاعات عرض تتحدث عن ماضي المملكة وحاضرها، تم تتويجه بمشروع النخلة الذهبية، الذي نفذته مدارس البحرين، للتعبير عن أحلام أطفال البحرين ومستقبلهم.
المبنى بجدران شعاعية تحيط به وفيه برج مصنوع من الليزر، وساعة تعمل بالطاقة الشمسية، إضافة إلى النافورة البرونزية، وهو تحت إشراف ومسؤولية وزارة التربية والتعليم.