عندما تمر الأوطان بمنعطف تاريخي يضع مصيرها على المحك فإن العوامل الجيوبوليتيكية ربما تؤدي دوراً مهماً في عبور المحن لكن للكويت وأهلها كان لهم رأي آخر بصنع ملحمتهم المدونة بالدموع والدماء والإيمان بوطنهم العصي على الانكسار وإيمانهم الذي لايتزحزح بالانتصار وتحرير بلادهم من الغزو العراقي الغاشم في 26 فبراير 1991.
فمع وقوع الغزو العراقي الغاشم صبيحة الثاني من أغسطس 1990 تنادى أهل الكويت بكل مشاربهم إلى إعلاء صوت الحق والشرعية وأن العدوان مهما تجبر فإنه إلى زوال واجتمعت كلمتهم على التمسك بوطنهم وقيادتهم تحت راية آل الصباح الكرام محققين إجماعاً دولياً نادراً ومنقطع النظير على رفض الغزو والتمسك بعودة الشرعية إليها وفق ميثاق الأمم المتحدة.
وصحيح أن الحق الكويتي حتمته رؤى الكويت الفريدة وعلاقاتها النموذجية ومعادلاتها الذهبية في سياستها الخارجية لكن لا يُمكن أن ننسى دور القيادة الرشيدة للكويت ورجالاتها ونسائها وأطفالها الذين قاموا بأدوار تاريخية ومحورية في تثبيت الحق الكويتي بالمحافل الدولية وحمل رسالة الكويت فيها وفي مقدمتهم الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح والأمير الوالد الراحل الشيخ سعد العبدالله والأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح طيب الله ثراهم وغيرهم من شخصيات سجلت بصمتها كل حسب موقعه في عودة الكويت إلى أهلها.
فمع اللحظات الأولى للغزو الغاشم أثارت الكويت قضيتها في المحافل الدولية والإقليمية وحشدت التأييد العالمي لها في مجلس الأمن وفي اجتماع وزراء خارجية دول عدم الانحياز الذي عقد على هامش اجتماع الدورة العامة للأمم المتحدة في الخامس من أكتوبر 1990.
وأكدت الكويت حينها أن الاحتلال العراقي يُمثل انتهاكاً صارخاً لميثاق الأمم المتحدة ومبادئ حركة عدم الانحياز وطالبت أعضاء هذه المنظمة بإدانة العدوان واستمرار تأييدهم للمواقف المبدئية التي اتخذها المجتمع الدولي والمتمثلة بالالتزام والتقيد التام بقرارات مجلس الأمن تجاه العدوان العراقي ودعم جهود الكويت الرامية لتحقيق انسحاب القوات العراقية من أراضيها دون قيد أو شرط وعودة الحكومة الشرعية للبلاد ومطالبة المعتدي بدفع كل التعويضات عمّا سببه للبيئة الاقتصادية والاجتماعية في الكويت من دمار وخسائر وما تم نهبه من أموال.
وبالفعل عقد مجلس الأمن الدولي جلسة طارئة بناءً على رغبة العديد من الدول في الثالث من أغسطس عام 1990 وفي نهايتها صدر القرار رقم 660 الذي دان الغزو العراقي الغاشم لدولة الكويت، داعياً إلى انسحاب العراق فورا ودون قيد أو شرط من الأراضي الكويتية وعودة الشرعية إلى أهلها.
وأعلنت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي في بيان تنديدهما بالغزو وطالبا العراق بسحب قواته فوراً من الكويت، كذلك أصدرت الدورة التاسعة عشرة لوزراء خارجية الدول الإسلامية خلال انعقادها بالقاهرة بياناً طالبت فيه بانسحاب القوات العراقية من الأراضي الكويتية في حين أجمع سفراء مجموعة دول عدم الانحياز خلال اجتماعهم في نيويورك على إدانة الغزو ومطالبة العراق بالانسحاب الفوري.
كما تقدمت الولايات المتحدة بمشروع قرار جديد إلى مجلس الأمن يقضي بفرض عقوبات اقتصادية وعسكرية شاملة ضد العراق لإجباره على الانسحاب من الكويت دون قيد أو شروط تطبيقاً لقرار مجلس الأمن الذي اتخذه عقب ساعات من الغزو.
وإذ وافق مجلس الأمن الدولي على مشروع القرار الذي تقدمت به الولايات المتحدة بعد تعديله وإضافة بعض البنود عليه فقد أصدر المجلس قراره رقم 661 في السادس من أغسطس وهو الثاني بعد الغزو العراقي الغاشم للكويت وأكد تصميم المجلس على إنهاء احتلال الكويت وإعادة سيادتها وسلامتها.
واستدعت التطورات فتح الباب أمام الدول المحبة للسلام لإرسال قوات إلى المنطقة وعلى الفور جرت اتصالات بين مختلف العواصم العالمية لحشد تحالف دولي خصوصاً بعدما أصدر مجلس الأمن الدولي قراراً ثالثاً بشأن احتلال الكويت هو القرار 662 الذي أكدت فيه الأمم المتحدة رفضها القاطع لقرار العراق بضم الكويت واعتبرته باطلاً وملغي وطالب القرار جميع الدول والمنظمات الدولية والوكالات المتخصصة بعدم الاعتراف بذلك الضم.
كما بدأت طلائع قوات عربية ودولية في الوصول إلى الأراضي السعودية لتشكل في المجمل التحالف الدولي لتحرير الكويت في حين أصدر مجلس الأمن الدولي قراره الرابع الخاص بالغزو العراقي وحمل الرقم 664 وجدد تأكيده بطلان ضم الكويت إلى العراق.
ومالبث أن أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 674 ضد العراق واتفقت الدول الخمس الكبرى على صيغة مشروع قرار يسمح باستخدام القوة العسكرية ضد العراق إذا لم ينسحب من الكويت.
وفي نهاية نوفمبر 1990، أصدر مجلس الأمن عدة قرارات متعلقة بالعراق أولها القرار رقم 677 الذي حذّر العراق من مغبة محاولاته الرامية إلى طمس هوية الكويت وتوطين عراقيين محل المواطنين الكويتيين وأكد أهمية الاحتفاظ بالنسخ المهربة من سجل السكان في الكويت.
كما أصدر المجلس قراره رقم 678 الذي يبيح كل الوسائل الضرورية لضمان الالتزام بالقرارات السابقة وإعطاء العراق مهلة حتى 15 يناير 1991 ليسحب قواته من الكويت وإلا واجه خطر الحرب مع قوات التحالف الدولي المحتشدة ضده.
وعقب صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 678 الذي يقضي باستخدام القوة العسكرية ضد العراق تسارعت وتيرة الأحداث وفي فجر السابع عشر من يناير 1991 بدأت قوات التحالف هجومها الكبير على مواقع عسكرية واستراتيجية عراقية في الكويت والعراق تمهيداً لتحرير الكويت.
وشمل ذلك هجوماً جوياً على المنشآت والقواعد العسكرية العراقية ومراكز القيادة والسيطرة والمرافق العامة والجسور ومحطات المياه والكهرباء فضلاً عن 60 قاعدة عسكرية.
وعقب ذلك بدأت دول التحالف الدولي تعد العدة لهجومها البري على القوات العراقية في الكويت إذ أعطى الرئيس الأمريكي الراحل جورج بوش الأب الضوء الأخضر لقائد قوات التحالف الجنرال الراحل نورمان شوارزكوف لشن الهجوم البري واتخذ القرار قبيل لحظات من انتهاء المهلة التي كان الحلفاء والأمم المتحدة قد حددوها ليسحب العراق قواته من الكويت.
وفي 24 فبراير1991 بدأت قوات التحالف الدولي هجومها البري على القوات العراقية في الكويت وقامت القوات المؤلفة من 30 دولة معززة بأحدث الآليات بمهاجمة القوات العراقية وتدميرها في الأراضي الكويتية وسرعان ما انهار الجيش العراقي تحت وطأة ضربات القوات الدولية باتجاه مدينة الكويت التي عادت إلى أهلها حرة أبية بعد حوالي سبعة أشهر عجاف من الاحتلال.