للمرة الأولى منذ عدة سنوات، ووسط غليان بالأراضي المحتلة بعد سلسلة خطوات وعمليات إسرائيلية أسفرت عن مصرع نحو 63 فلسطينياً منذ بداية العام، عقدت مباحثات مغلقة بين كبار مسؤولي الأمن في السلطة الفلسطينية وإسرائيل، بمشاركة ممثلين عن الأردن ومصر والولايات المتحدة وبريطانيا، في مدينة العقبة الأردنية، أمس.
وفي حين ذكرت مصادر أن الاجتماع بحث سبل استعادة الهدوء الأمني ومنع الانزلاق إلى صراع أوسع، من خلال دفع خطة طرحها أخيراً المنسق الأميركي مايك فينزل للتهدئة، ذكرت أوساط عبرية أن الاجتماع اكتسى بصبغة سياسية للدفع نحو التباحث في آفاق إنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني المعطل منذ 2012.
وقبل حلول شهر رمضان وعيد الفصح اليهودي، استعرض الاجتماع، الذي افتتحه الملك عبدالله الثاني واختتم مساء أمس من دون التوصل إلى اتفاق بشأن «هدنة»، خطة المنسق الأميركي، التي بدأت خطواتها الفعلية في 20 فبراير الحالي حيث وافقت القيادة الفلسطينية على سحب مشروع قرار أمام مجلس الأمن يدين الاستيطان، وقبلت بدلاً منه ببيان رئاسي استبدل إدانة الاستيطان بـ «الشعور بالاستياء والقلق منه».
وحضر الاجتماع السداسي، الذي يمهد لعقد قمة سلام بعد مرور 20 عاماً على انعقادها في نفس المكان، وبرعاية أميركية أيضاً، مستشار الرئيس جو بايدن للشرق الأوسط بريت ماكغورك.ولاحقاً، أبلغ عاهل الأردن مستشار بايدن ضرورة تكثيف الجهود للدفع نحو التهدئة وخفض التصعيد واستئناف المفاوضات لتحقيق السلام على أساس حل الدولتين.
وفي البيان المشترك، أكد الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي التزامهما بجميع الاتفاقات السابقة وخفض التصعيد ومنع مزيد من العنف والحفاظ على الوضع القائم في الأماكن المقدسة ودعم خطوات بناء الثقة من أجل معالجة القضايا العالقة من خلال الحوار المباشر.
وأوضح البيان المشترك أن الجانبين يلتزمان بوقف الإجراءات الأحادية من 3 إلى 6 أشهر، على أن تلتزم إسرائيل بوقف مناقشة إنشاء أي وحدات استيطانية جديدة لمدة 4 أشهر، ووقف إقرار أي بؤر جديدة لمدة 6 أشهر.
كما اتفق المشاركون على دعم خطوات بناء الثقة لمعالجة القضايا العالقة، عبر حوار مباشر، وعقد اجتماع في شرم الشيخ الشهر المقبل، لتحقيق هذه الأهداف، واعتبرت عمان والقاهرة وواشنطن هذه التفاهمات تقدماً نحو تفعيل العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية المباشرة.
مطالب ورفض
وقبيل الاجتماع، كشفت السلطة الفلسطينية عن مطالب حملها وفدها، وأبرزها «ضرورة وقف جميع الأعمال الأحادية الإسرائيلية والالتزام بالاتفاقيات الموقعة، تمهيدا لخلق أفق سياسي يقوم على الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية».
وشدد المتحدث باسم حركة فتح منذر الحايك على أن السلطة طالبت بـ«وقف سياسة الاغتيالات والاقتحامات وتهويد القدس المحتلة والتوسع الاستيطاني»، معتبراً أن مهاجمة بعض الفصائل للاجتماع «تأتي لأهداف حزبية ضيقة بعيدا عن مصالح الشعب».
وتحدثت مصادر فلسطينية عن إبلاغ السلطة «رفض إسرائيل الالتزام بجميع مطالبنا التي سبق وتم تسليمها كإجراءات بناء ثقة للمسؤولين الأميركيين، وأهمها وقف الاقتحامات في الضفة الغربية والعودة إلى وضع ما قبل سبتمبر 2000، ووقف الاستيطان، ووقف قرصنة الأموال الفلسطينية».
وأضافت المصادر أن الولايات المتحدة عبر وزير خارجيتها أنتوني بلينكن، سبق أن عبرت للرئيس الفلسطيني أنها لا تضمن أن تلتزم إسرائيل 100%، مبينة أن أجندة الاجتماع تضمنت بحث تسهيل حصول السلطة على عائدات الضرائب من «معبر الكرامة»، التي تقوم إسرائيل بقرصنتها منذ 10 سنوات، ولا تحولها إلى خزينة السلطة الفلسطينية كل عام.
وأرجعت سبب مشاركة السلطة في الاجتماع بعد حديث قياداتها الخميس الماضي عن أنها ستمتنع عن توقيع اتفاق جديد مع الجانب الإسرائيلي خلال اجتماع العقبة، رداً على سقوط 11 قتيلا ونحو 100 جريح خلال اقتحام سلطات الاحتلال لمدينة جنين الأربعاء الماضي، إلى ضغوط أميركية ومصرية وأردنية.
وتحدثت المصادر عن جولة قام بها رئيس جهاز المخابرات الفلسطينية ماجد فرج لعدة دول، وتواصله مع الإمارات والبحرين لطلب دعمهما لاستخدام اتفاق التطبيع للضغط على إسرائيل.
في المقابل، أعلن 11 فصيلاً فلسطينياً رفضها اجتماع العقبة، ومشاركة السلطة فيه وهي: حركة حماس و«الجهاد الإسلامي» و«الجبهة الشعبية» و«الجبهة الديموقراطية» و«المبادرة الوطنية» و«حزب الشعب» و«المقاومة الشعبية» و«الأحرار» و«لجان المقاومة» و«الاتحاد الديموقراطي» و«حركة المجاهدين»، فيما دعت عدة حركات وائتلافات شعبية الشارع إلى التظاهر ضد الاجتماع الذي «يعطي غطاء لحكومة نتنياهو في ظل حالة الغليان والدماء التي تنزف في الضفة الغربية».
في المقابل، طالبت وزارة الاستيطان الإسرائيلية ومجلس المستوطنات بالضفة وفد إسرائيل بالانسحاب من اجتماع العقبة، داعين الحكومة الى الانتقال للهجوم.
مقتل إسرائيليين
في هذه الأثناء، قُتل مستوطنان إسرائيليان إثر تعرضهما لعملية إطلاق نار عند حاجز أمني بمنطقة نابلس في الضفة الغربية المحتلة، أمس، فيما أغلق الجيش الإسرائيلي الحاجز وأطلق عملية مطاردة ضد المنفذ.
وتزامن ذلك مع اقتحام عشرات المستوطنين ساحات المسجد الأقصى، بحماية مشددة من الشرطة الإسرائيلية، فيما قامت عصابة من المستوطنين بإحراق مزرعة دواجن فلسطينية في مدينة سلفيت، شمال الضفة الغربية، ما أدى إلى نفوق جميع الطيور التي كانت بداخلها.
والخميس الماضي، عم الأراضي الفلسطينية إضراب شامل تنديداً بـ«مجزرة نابلس»، التي حاولت إسرائيل تبريرها بالبحث عمَن تسميهم مطلوبين أمنيا، لاسيما من مجموعة «عرين الأسود» التي تقول، إنها تنفذ هجمات رداً على الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة.
اعتقالات إسرائيلية
إلى ذلك، تجمع نحو 160 ألف متظاهر إسرائيلي في تل أبيب وأماكن أخرى ليل السبت ـ الأحد، للاحتجاج على خطة طرحها الائتلاف الحكومي اليميني المتشدد لإضعاف السلطة القضائية، في مشهد يزداد كثافة ويتواصل للأسبوع الثامن على التوالي.
وأقامت الشرطة الإسرائيلية الحواجز على الطرق لمنع المتظاهرين من الوصول إلى طريق أيالون السريع، أحد أهم الشوارع الرئيسية بتل أبيب، لكن البعض اخترق حواجز الشرطة وسد الطريق، وتم القبض على ما لا يقل عن 21 متظاهرا. فيما شارك أكثر من 30 ألف شخص في المظاهرة التي نظمت في مدينة حيفا.
وبرز بين المتحدثين في الحدث الاحتجاجي رئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك، الذي وصف المقترح التشريعي بأنه «اغتيال لإعلان استقلال إسرائيل، وانه خطوة تحول إسرائيل بالتأكيد إلى دكتاتورية».