لم تنجح المساعي السياسية لتمديد ولاية المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، على الرغم من إصرار «حزب الله» على بقائه في موقعه. أسباب كثيرة حالت دون إنجاز هذا الأمر، خصوصاً الخلاف على عقد جلسة تشريعية، إذ إن المجلس النيابي هو الجهة المخولة رفع سنّ التقاعد للموظفين،

أما الصيغة الحكومية التي تم البحث بها فلم تجد طريقها إلى التطبيق خوفاً من الطعن أمام مجلس شورى الدولة. وكل ذلك يبقى في الإطار الظاهر والمعلن، أما المضمر، فيمكن الذهاب إلى أسباب كثيرة واستنتاجات أكثر، وما إذا كان عدم التمديد لإبراهيم ينطوي على أسباب داخلية محضة أم أن هناك جوانب خفية منعت ذلك... ولكن لا جواب واضح حتى الآن.

Ad

الكواليس السياسية اللبنانية تضج بأن تقاطع مصالح حصل بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل أفضى إلى عدم التمديد لإبراهيم. فهناك من يعتبر أن بري غير متحمس لهذه الخطوة خصوصاً أن إبراهيم سبق أن عبّر عن حقه الطبيعي في الترشح مستقبلاً لمنصب رئيس مجلس النواب، وبالتالي يعتبر هؤلاء أن برّي اختار الردّ على إبراهيم على طريقته، فجعل جدول أعمال الجلسة التشريعية قليلاً بالبنود مما أبعد عنها صفة الضرورة وبالتالي لم تتوفر ظروف انعقادها.

أما باسيل فقد ربط مسألة التمديد لإبراهيم بالتمديد لعدد كبير من المديرين العامين، بينما «حزب الله» وفي ظل الخلاف الواسع مع باسيل لا يريد منحه أي مطلب أو تقديم أي تنازل له في هذه المرحلة. على الضفة السنية برزت موانع أخرى أيضاً، نيابياً وحكومياً، فنيابياً اشترط النواب السنّة للتمديد لإبراهيم التمديد للمدير العام لقوى الأمن الداخلي عماد عثمان، أما حكومياً فإن ميقاتي لم يشأ تحمل مسؤولية التمديد ورماها على المجلس النيابي تارة وعلى وزير الداخلية تارة أخرى بذريعة الخوف من الطعن بالقرار.

كل هذه المعطيات اجتمعت على إعاقة التمديد للرجل، علماً أن كل المواقف الدبلوماسية المعلنة تشير إلى أن ابراهيم يتمتع بعلاقات قوية مع دول عربية وغربية، وأن هذه الدول مؤيدة لبقائه في منصبه نظراً للمهام التي يقوم بها ولأن هناك الكثير من الملفات الأمنية التي يلعب فيها الرجل دوراً بارزاً تتعلق بالوضع في لبنان أو في سورية، وهو سبق أن عمل على التفاوض حول مواطنين أوروبيين وأميركيين مختفين في سورية، كان آخرهم الصحافي الأميركي أوستن تايس.

عدم التمديد لإبراهيم سيطرح تساؤلات كثيرة حول الواقع الشيعي، إذ تشير مصادر متابعة إلى أن دور الرجل لن ينتهي وخصوصاً في السياسة هذه المرة، علاقاته مع الدول الغربية والعربية ستبقى مستمرة ومفعّلة بحكم علاقته مع «حزب الله» والدور التفاوضي الذي يلعبه بشكل مباشر بين الحزب وهذه الأطراف، وهو ما كان قد خبره إبراهيم طوال السنوات الفائتة وصولاً إلى ملف ترسيم الحدود. كما أن الأميركيين يعتبرون أن إبراهيم هو قناة التفاوض الأساسية لهم مع الحزب.

«حزب الله» سيبقى يعتمد إبراهيم في هذه المهام الخارجية، بينما الرجل لديه حركة داخلية أيضاً من خلال العلاقات الجيدة مع معظم القوى السياسية. لكن السؤال الأساسي الذي يطرح نفسه، يبقى متعلقاً بمدى تسارع وتيرة حركة إبراهيم سياسياً وشعبياً داخل البيئة الشيعية تحديداً، خصوصاً أن الرجل هو أحد أبرز المرشحين لمنصب رئاسة المجلس النيابي في المستقبل، علماً أن «حزب الله» كان وعده بأن دوره السياسي محفوظ كذلك بالنسبة إلى ترشحه إلى الانتخابات النيابية، لا سيما في ظل عدم استعداد بري لتوريث أي شخص لمسيرته السياسية أو لراية حركة أمل. من هنا ثمة من يقول إن بري لم يصب في موقفه تجاه إبراهيم، وكان يفترض به أن يحتضنه أكثر ويعمل على تحضيره لمرحلة لاحقة. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن أي نشاط سياسي سيقوم به إبراهيم سيؤدي إلى فتح النقاش حول الواقع السياسي في البيئة الشيعية والبحث عن مسار تجديدي فيها.