يا نواب مجلس الأمة... ماذا أنتم فاعلون؟
يعيش أعضاء مجلس الأمة- لدينا اليوم- في حالة من الوهم السياسي والديموقراطي! حالة قادت لخلط - متعمد أو واهم، لا فرق، محصلته تصرفهم خارج منطق القانون والسياق الديموقراطي، وبالمخالفة للدستور.
فصار لزاماً مخاطبتهم بلا مقدمات وبلا مواربة، فالبلد والحفاظ على ديموقراطيته واستقراره ودستوره، أهم منهم وممارساتهم للانحراف السياسي والتعسف الدستوري!
نعم، كنا ومازلنا نعتقد أن السلطة السياسية هي مصدر لحالة عدم الاستقرار السياسي ونضج العمل المؤسسي واستقامة النظام الديموقراطي، ولم نتوانَ ولم نمتنع عن النصح والتنبيه والنقد لمسلكها ذاك بطرح علمي وموضوعي، وسيستمر ذلك لتصحيح المسار.
أما اليوم، فالحاجة أن نوجه نصحنا وتنبيهنا ونقدنا وجهة أعضاء مجلس الأمة عودة للتوازن والوعي الدستوري والمسلك المنطقي بعد فقد بوصلتهم البرلمانية رشدها وتجاوزها الحدود المرسومة دستورياً وديموقراطياً.
ينطلق الأعضاء بممارساتهم البرلمانية من أنهم يمثلون الأمة! وهذا صحيح وفقاً للمادة 108 من الدستور، لكن الحقيقة الأخرى هي أن الدستور أحكامه متكاملة مترابطة متعاضدة ولا يمكن، لأي كان، اقتطاع ما يرغب منها، ويتجاهل الأخرى، فهو منظومة واحدة بأحكامها وقيودها.
وعليه، فإن تمثيل العضو للأمة لا يطلق له عنان الوهم لفعل ما يشاء دون قيد أو شرط أو حدود دستورية، فالمادة 20 من الدستور هي شريان رئيسي للحكومة ومن ثم للدولة. وأوضحت المذكرة التفسيرية أن دلالة المادة 20 أن الخطة تعدها الحكومة منفردة وتقدم على شكل مشروع بقانون منها، دون الأعضاء.
وتنص المادة 140 من الدستور على أن من يعد الميزانية العامة للدولة هي الحكومة، ويسري ذلك على المواد اللاحقة عليها المرتبطة بالميزانية، فلا تقدم أية ميزانيات ولا مشروعات مالية تنعكس على الميزانية إلا من الحكومة دون أعضاء المجلس.
وتنص المادة 115 من الدستور في فقرتها الأخيرة على (... ولا يجوز لعضو مجلس الأمة أن يتدخل في عمل أي من السلطتين القضائية والتنفيذية).
فإنه، وفي ضوء تلك الأحكام الدستورية، مع بقية النصوص المتعلقة بفصل السلطات والحدود الدستورية لعمل السلطات، يتبين جلياً أن أعضاء مجلس الأمة قد وقعوا في حومة المحظورات الدستورية والتعدي على اختصاصات محجوزة للسلطة التنفيذية فقط، بتدافعهم لتقديم مقترحات تحمل الدولة كلفة مالية مباشرة أو غير مباشرة، إذ إن تلك المقترحات بقوانين غير جائز تقديمها من قبل الأعضاء، فهي بحكم المادتين 20 و140 من الدستور وما بعدها من مواد تدخل في الاختصاص الحصري والمحجور للحكومة، لأنها من يقدم الخطة وينشئ المرافق أو يلغيها أو يدمجها ويعدل أوضاعها، وهي من يقدم الميزانية وأية تعديلات عليها سواء إنفاقات تزيد عليها أو تخفضها، والآلية المتاحة أمام الأعضاء اختصاصهم عند نقاش الميزانية في اللجنة المختصة، إذ عليهم إقناع الحكومة بزيادة بند الميزانية أو خفضه بحججهم، فإن قبلت الحكومة ذلك تتم الزيادة بالتوافق، لأن المسؤول عن تقدير الميزانية هي الحكومة وضمن صلاحياتها، فإن كانت تقديراتها خاطئة وتفتقد للمبررات كان للأعضاء مساءلتها.
فمقترحات الأعضاء التي تدخل ضمن نطاق التخطيط المستقبلي للدولة تعددت، رغم أنه اختصاص حصري للحكومة وفقاً للمادة 20، وتقديمها من الأعضاء هو اقتحام لميدان الحكومة، وعملهم واقتراحاتهم مخالفة للدستور.
وكذلك تدافع الأعضاء بمقترحات قوانين ذات كلفة مالية، لغايات انتخابية أو سياسية، بعيداً عن التقدير المنطقي للوضع المالي للدولة، هو مخالفة للدستور واعتداء على صلاحيات ليس لهم فيها إلا الجانب الرقابي.
وتدافع النواب اليوم معوق رئيسي للتعاون بين السلطات والتزام كل منها بحدودها الدستورية، ومن ثم يؤدي لتوتر سياسي بين السلطتين وتعطيل عملهما، بسبب الممارسة الخاطئة للنواب أو فهمهم القاصر، أو ربما بتعمد من بعضهم لغايات التأزيم السياسي، وما يعزز ذلك، استخدام النواب الخاطئ لأدواتهم الرقابية، فمنها ما هو بشكل مكثف (الأسئلة) أو متعسف (الاستجوابات الابتزازية)، أو انتقائي واستعراضي (لجان التحقيق).
وهو ما ينبغي تنبيه الأعضاء إليه وقبل فوات الأوان، حتى لا يقال لهم حينها: باطل ما كنتم تفعلون!