صفحات الصديق علي البغلي التي تركها وكتبها ستبقى شاهدة على مواقفه، وستفتح له صفحة جديدة مع رب العالمين ليس لنا شأن فيها، فلن يتمكن من الرد على اتصالي بواسطة الواتساب أو الهاتف النقال لأسأله عن صحته بعد أن انقطع عنا، لكنني لن أتجرأ على أن أحذف اسمه من هاتفي ولا من ذاكرتي، لقد ودعنا ذاك العاشق للوطن، ويا لها من مصادفة أن يرحل عنا يوم الاحتفال بعيد الوطن.
غادرنا بثوب نظيف وهو ذاك الوزير والنائب والمحامي والإعلامي بآرائه الجريئة ووطنيته الصادقة «ولم يتلوث قط وهو وزير مليارات النفط بما تلوث به غيره»، كما كتب أحد الأصدقاء الذي تربطه به معرفة وصداقة.
أبو أحمد، علي البغلي، امتلك إحساساً غير طبيعي في أيامه الأخيرة، قد يكون لشعوره بأن عمره قد دنا وراح يتواصل مع أصدقائه ومحبيه، ويبعث إلى بعضهم، بل يوصيهم بسماع أغنية تقول في مطلعها: «لشو نزعل، لشو نتعب، لشو الهموم..
لشو نبكي، الدنيا رحلة وما راح بتدوم..
تعو نفرح، تعو نسامح».
وفي ذلك إشارة إلى الفرح الذي في داخله ونظرة التفاؤل التي يعيشها كل منا وبالعمر المكتوب له، يا الله كم كنت محباً للحياة يا علي وأنت السابح في بحرها.
استذكرك رفاقك، وكتبوا عنك، ورثوك وقدموا واجب العزاء لأسرتك وأهلك، صرنا نتبادل العزاء مع من أحبك وعمل معك وعرفك عن قرب من الصديق السفير محمد البلهان إلى الفاضلة مها البرجس إلى صديق عمرك الزميل حسن العيسى، ويعقوب الجوعان وعلي الغانم وبدر الخليفي وخالد الطراح وآخرين وما أكثرهم!
غيابك لن يحجب عنا صورتك ورفقتك يوم جمعتنا في منزلك في «الحازمية» ببيروت وكان في الصحبة المرحوم السفير أحمد غيث، ونقيب المصورين الصحافيين الزميل نبيل إسماعيل، ورحت تروي لنا ونحن في طريقنا نحو زحلة وشتورة، ذكرياتك وعشقك للبنان منذ وطئت قدماك أرضه في أواخر الخمسينيات بصحبة والدك، أو عندما كنت تتردد عليه أثناء دراستك في فرنسا أو عودتك إلى وطنك، حتى آخر أيام عمرك.
ترافقنا سوية وأنا في «القبس» عندما نشر أول مقالة له صيف عام 1991 واستمر يكتب إلى عام 2022 عندما انتقل إلى الزميلة «السياسة» لصاحبها الأستاذ أحمد الجارالله، وخاض «معارك فكرية» دون هوادة قد تتفق مع أو تختلف معه، لكنه يتقبل النقد والرأي الآخر، وكان يردد أن هذا الوطن يتسع للجميع، المهم أن نغرس فكرة المواطنة الصالحة ونعمل بروح إيجابية.
مارس العمل الوطني من عدة بوابات، ومن المحاماة كانت البداية، ثم العمل النيابي بعد التحرير واختياره وزيراً للنفط، وكذلك العمل التطوعي في مجال حقوق الإنسان، سواء في الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان أو في المجلس الوطني لحقوق الإنسان.
أبو أحمد، سنفتقدك ونترحم عليك، ولكن هذه إرادة الله في خلقه.