وغادرتنا يا ناشي

نشر في 01-03-2023
آخر تحديث 28-02-2023 | 21:35
No Image Caption
آآه يا ناشي عشت هادئاً مسالماً حالماً، ورحلت بصمت وسكينة، كنت دائم الابتسام محباً للجميع، متسامحاً ومتسامياً، لأن قلبك لا يعرف إلا الحب، كنت تختلف عنا جميعاً لأنك جريء في التعبير عن مشاعرك وحبك.

كانت الساعة تشير إلى العاشرة إلا عشر دقائق صباحاً، ومن بعيد رأيت وميض هاتفي النقال، كان المتصل عبدالله، سألني (وينك؟ قلت في البيت) صمت لحظات وتحشرج وبكى ثم قال «ناشي يطلبك الحل»، صرخت بقوة لا، لا، لا، وسقطت على الأرض كنت حينها وحيداً، أخذت أبكي وأضرب الأرض، وأصرخ كالطفل الصغير، أتوجع وأتألم وخرجت عن دائرة العقل والصبر والهدوء، وصل صوتي وصراخي إلى مسمع ابنتي التي جاءتني مذعورة، هكذا تلقيت خبر وفاتك يا أبا مشعل، الخبر الذي بدأ فيه فصل جديد من حياتي.

آآآه يا أبا مشعل، أتممت عامك السبعين وغادرتنا، تركتنا للدموع والأنين والألم، تركتنا يا ناشي وأفئدتنا مزقها النحيب، وفي مفارقة غريبة أن تغادرنا يوم اجتماعنا الأسبوعي، واليوم كيف نتحمل الجمعة دون وجودك الذي غيبه الموت؟ كيف ننظر لمكانك وصدى صوتك في أعماقنا تضحك وتناقش أو تعاند؟

آآآه يا ناشي كنت أنا أضعفكم في المشاعر وأكثركم هشاشة، لأنكم تتألمون وتبكون بصمت وقت الفواجع لكنكم أقوياء صبورون، لذلك كنت وإخواني تحيطونني بوجودكم وتهدئون من نفسي وتحتضونني، وفي تشييعك كنت أصارع الفاجعة وحيداً، ولم أجد أياً منهم لأن موتك أفجعهم وأوجعهم وتاهوا في بحر الحزن، فكانوا مثلي يبحثون عمن يحتضنهم.

آآآه يا أبا مشعل، والله تقطع قلبي وتفجر الحزن والألم في صدري، حتى بكيت ورفعت صوتي وحيداً في مكتبي، لأنني قرأت تعليقك على غلاف كتابي (كنت أنا) حيث قلت «حبيبي وشقيقي وابني الدكتور سعود... سجلت اسمك في ذاكرة الوطن أديباً وشاعراً ووزيراً... نحن نحبك كلنا، لكن بالنسبة لي تبقى شقيقي وابني وصديقي»، ليتك موجود يا ناشي ولتذهب المناصب والأشعار والآداب والشهادات للجحيم.

آآه يا ناشي عشت هادئاً مسالماً حالماً، ورحلت بصمت وسكينة، كنت دائم الابتسام محباً للجميع، متسامحاً ومتسامياً، لأن قلبك لا يعرف إلا الحب، كنت تختلف عنا جميعاً لأنك جريء في التعبير عن مشاعرك وحبك.

آآآه يا أبا مشعل، ها أنا أعود بذاكرتي حيث لم أتجاوز السابعة من عمري، عندما كنت أصحو بعد هزيع من الليل بسبب الأحلام والكوابيس المفزعة، كنت أصرخ وأنا أرفع صوتي (ناشي، ناشي، ناشي)، كنت أبحث عنك وهذا يرجع لالتصاق روحي بروحك، وها أنت رغم رحيلك أشعر بنبضك وهمسك ونظراتك تسكنني.

أعلم يا ناشي أن ملامحي تشابه ملامحك، وكنت أنا أيضاً أتشبه بك وأحاول تقليدك، لذلك حرصت في مراهقتي على أن أكون مثلك محباً للثقافة والكتابة، وكنت أنت ترى نفسك فيّ، كنت أجد نفسي بين كتبك وأوراقك التي كانت مشاعة لي، لذلك عندما أهديتك كتابي (هؤلاء قرأت لهم) كتبت لك «أخي العزيز والحبيب ناشي: هذا الكتاب ثمر غرسك».

رحمك الله يا أبا مشعل وتغمدك بواسع مغفرته، ففي حياتك عرفت الثقافة والأدب، وفي موتك عرفت أن غياب الأخ هو أفظع وأقسى أنواع الغياب، وأن غياب الأخ لا يعوضه أحد من الأقارب والأحباب، فوداعاً يا أبا مشعل.

back to top