تخلّي أوكرانيا عن باخموت... ورقة تفاوض أم مقدمة لحرب الربيع؟
كييف تهاجم القرم بسيل من «المسيّرات» وموسكو تنشر مزيداً من السفن في البحر الأسود
في استجابة متأخرة لطلب إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بعدم السعي للدفاع عن باخموت بأيّ ثمن، والتركيز أكثر على الاستعداد لشنّ هجوم الربيع المضاد على روسيا، لم تستبعد الرئاسة الأوكرانية، أمس، الانسحاب الاستراتيجي من المدينة المحاصرة لتفادي التضحية العبثية.
وغداة إقرار الرئيس فولوديمير زيلينسكي بأن باخموت تواجه أصعب الأوضاع، والدفاع عنها التحدي الأكبر للجيش، قال مستشاره ألكسندر رودنيانسكي، لشبكة سي إن إن، «الوضع صعب وليس هناك سر في ذلك، روسيا تحاول تطويق هذه المدينة مباشرة الآن، وتستخدم أفضل قواتها مع مجموعة فاغنر الأكثر تدريباً وخبرة، وقواتنا ستقوم بدراسة كل الخيارات، وإذا لزم الأمر، فستتراجع بشكل استراتيجي، لأننا لن نضحي بكل عناصرنا هناك عبثاً».
وأكد رودنيانسكي أن الجدول الزمني «متروك للجيش ليقرر عند أي نقطة سيكون الانسحاب، وإذا اعتقد أن تكلفة الاستمرار تفوق المكاسب»، مضيفاً: «حصّنا المنطقة الواقعة غرب باخموت، وإذا أردنا الانسحاب، فلن يتمكن الروس من التقدم بسرعة كبيرة، ومهما حدث، فستكون هجماتنا المضادة قاب قوسين أو أدنى قريباً، وسيكون ذلك مشابها جدا لما حدث في خاركيف، التي استولوا عليها واستعدناها في أيام فقط».
وأعرب رودنيانسكي عن «إحباطه» من وصول الأسلحة الغربية «بعد فوات الأوان»، وذكر أن وروسيا تحاول «استغلال ذلك الجدول الزمني لمصلحتها الخاصة».
وتقع باخموت على بعد 55 كم شمال شرق دونيتسك، ولا تزال مركزاً لوجيستياً مهماً لتزويد القوات الأوكرانية في دونباس. ويؤكد محللون أن سيطرة الجيش الروسي عليها ستكون خطوة نحو تحرير جمهورية دونيتسك بأكملها.
وقال مؤسس «فاغنر»، يفغيني بريجوزين، أمس، إن القوات الأوكرانية تقاوم بشدة محاولة السيطرة على باخموت الصغيرة، وتضحي باحتياطيات إضافية مهولة في المعركة الدموية.
وفي 20 يناير، حذّر مسؤول أميركي كبير أوكرانيا من السعي إلى الدفاع عن مدينة باخموت، معتبراً أن إعطاء الأولوية المعطاة للقتال فيها تعرقل مهمتها الأساسية المتمثلة في التحضير لهجوم استراتيجي على الروس في جنوب البلاد خلال الربيع.
ولم يستبعد المحللون أن يكون تخلّي أوكرانيا المحتمل عن باخموت مناورة لفتح باب المفاوضات مع الرئيس فلاديمير بوتين، الذي استبعد أي حوار حتى تحقيق أهدافه، التي تقلصت من الإطاحة بزيلينسكي وحكومته ونزع سلاح أوكرانيا والقضاء على الفاشية، إلى الاحتفاظ بالمناطق الانفصالية، خصوصاً دونباس.
هجوم القرم
وبعد يوم من تعرّض عمق روسيا لهجوم مماثل طال، لأول مرة، منطقة العاصمة موسكو، قالت وزارة الدفاع الروسية إنها «أحبطت محاولة من الجيش الأوكراني لشن هجوم مكثف بطائرات من دون طيار على منشآت في شبه جزيرة القرم»، مضيفة أنها أسقطت 6 وعطلت 4 أخرى بوسائل إلكترونية.
وأضافت أنه تم تدمير نحو 15 طائرة من دون طيار أوكرانية في مناطق متفرقة من خيرسون، وزابوروجيا، ودونيتسك ولوغانسك وخاركوف.
وفي هذه الأثناء، أكدت القيادة الجنوبية الأوكرانية ليل الثلاثاء - الأربعاء، أن عدد السفن الروسية في البحر الأسود ارتفع حالياً إلى 17 سفينة، بما في ذلك 5 حاملات صواريخ وغواصتان.
من جهته، يسعى زيلينسكي إلى تحميل جميع المتورطين في الغزو الروسي، بما في ذلك العقول المدبرة وراء الحرب، المسؤولية أمام محكمة دولية.
وقال زيلينسكي، بعد اجتماع مع المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، في كييف: «سنفكك نظام الإبادة الجماعية الروسي بأكمله، مع تقديمه إلى الأحكام القانونية».
بيلاروسيا والصين
وفي زيارته الـ 13 إلى بكين، أبلغ الرئيس البيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو، نظيره الصيني شي جينبينغ، أمس، بأنه يؤيد تماماً مقترحاته لتسوية النزاع في أوكرانيا.
وقال لوكاشينكو، خلال مباحثاته مع جينبينغ «إن بيلاروسيا تقوم بحملة نشطة من أجل مقترحات السلام وتدعم بالكامل مبادرتكم للأمن الدولي».
وأكد لوكاشينكو أن لقاءه جينبينغ جاء في فترة صعبة للغاية تتطلب مقاربات جديدة غير معهودة وقرارات سياسية مسؤولة يجب أن تهدف قبل كل شيء إلى تجنّب مواجهة عالمية لن يكون فيها رابح».
وبعد مرور عام على اندلاع الحرب، نشرت بكين يوم الجمعة الماضي وثيقة من 12 نقطة تدعو بشكل خاص موسكو وكييف إلى إجراء محادثات سلام.
وفي حين سعت الصين إلى فرض نفسها كوسيط في هذا النزاع، فإن موقفها كحليف لروسيا يجعلها غير مؤهلة في نظر الغربيين الذين يدعمون من جانبهم أوكرانيا.
من جهتها، تعتبر بيلاروسيا جارة أوكرانيا، طرفا رئيسيا في النزاع. لم ترسل البلاد جنودا للقتال مباشرة إلى جانب الجيش الروسي، لكن أراضيها تستخدم قاعدة خلفية لقوات موسكو.بيلاروسيا تعلن دعمها الكامل للخطة الصينية لحل النزاع الروسي - الأوكراني
في المقابل، أكد مسؤولون أميركيون، خلال جلسة استماع للجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، أمس الأول، أن «الصين تدعم حرب روسيا على أوكرانيا منذ البداية، حتى لو لم تقدّم مساعدة فتاكة»، مؤكدين إدراج 13 كيانا صينياً إلى القائمة السوداء، من بينها شركة كانت تورّد أجزاء لبرنامج الطائرات من دون طيار الإيرانية.
وإذ أقرّ المتحدث باسم وزارة الدفاع (البنتاغون)، بات رايدر، أن الصين لم تقدم بعد مساعدات فتاكة لروسيا لاستخدامها في أوكرانيا، لفت إلى أنها لم تستبعد بعد هذا الخيار، محذّرا من أن تقديم هذا النوع من المساعدات «سيمدد أمد الصراع، وسيؤدي إلى المزيد من الخسائر في الأرواح».
في غضون ذلك، رأى وكيل وزارة الدفاع، كولين إتش كيهل، أن روسيا «ليست في وضع يسمح لها بسباق تسلّح نووي غير مقيد». وقال للجنة القوات المسلحة في مجلس النواب إن روسيا «ليس لديها المال، خاصة بالنظر إلى الضغط على الجيش بسبب الحرب والعقوبات وقيود التصدير (التي فرضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها)».
الأمن الجماعي
من جهة ثانية، أكد وزير الدفاع البيلاروسي، فيكتور خرينين، أن منظمة معاهدة الأمن الجماعي تتعرض لضغوط كبيرة من الولايات المتحدة وحلفائها، وأنها ستعمل على تعزيز تماسك الدول الأعضاء وحلّ التناقضات والخلافات بينها.
وخلال اجتماع رؤساء وحدات التعاون العسكري لدول المنظمة، قال خرينين: «إننا نفهم حجم الضغط غير المسبوق، وشهدنا المساعي الغربية المكثفة بقيادة الولايات المتحدة، لتعزيز منظورها الخاص حول النظام العالمي، ومن ضمنها دول الاتحاد السوفياتي سابقاً»، متعهداً بأن «تعمل بيلاروسيا على محاربة الدعاية الغربية خلال رئاستها للمنظمة وتعزيز تماسكها وحلّ التناقضات».