بقايا خيال: عملية جرد لعطلة الأعياد الوطنية
ذكر أحد السياسيين، ضمن لقاء تلفزيوني، أن على المواطن المشاركة في الأعياد الوطنية بوجوده الفعلي بين فعالياتها، تعبيراً عن حبه لوطنه، خصوصاً أن أعيادنا تعد الأجمل في منطقة الخليج، إلا أنه عندما سئل عما سيفعله خلال عطلة الأعياد الوطنية أجاب بأنه سيغادر الكويت لبضعة أيام إلى دبي، ليؤكد أن السياسيين يقولون ما لا يفعلون، وهذا ما أكدته مصادر رسمية موثوقة قبل أيام عندما ذكرت أن عدد الذين غادروا الكويت عبر المنافذ الجوية والبرية والبحرية قبيل عطلة الأعياد الأخيرة تجاوز ربع مليون شخص أغلبهم كويتيون، ليمارسوا فرحهم الوطني في الخارج.
أنا لا ألوم المغادرين خلال العطلات الوطنية رغم قصرها، ولا ألوم من قبع بين جدران منزله في هذه الفترة التي جعلتها جهات رسمية «مملة» في نظرنا، لأن لسان حالنا وحال أغلب الصامدين في سجون وطنهم يردد (لا عين ترى ولا قلب يحزن)، فلا عين مخلصة لكويتها تريد أن ترى احتفالاً أوله فوضى ونهايته تشويه صورة الكويت بالأوساخ، ولا تريد قلباً يحزن على ما آلت إليه احتفالات التحرير بعد أن كانت مناسباتنا الوطنية مضرباً للأمثال بين شعوب المنطقة، حتى صارت قلوب الناس منفطرة بسبب حكومة لا تعرف الإبداع في تقديم احتفالات تليق بالمناسبات الوطنية، تماماً كما كنا نحتفل بها في السابق.
فقد تركت الدولة الحبل على الغارب ليحتفل الناس كيفما شاؤوا بهذه الأعياد، فنتج عنه حوادث وإصابات خطيرة وخسائر في الأرواح بلغت المئات، نقلوا على إثرها إلى المستشفيات والمراكز الصحية، إضافة إلى إتلاف في الممتلكات الخاصة والعامة بسبب رش الماء والرغوة البيضاء وقذف البالونات المائية على السيارات والمارة، حتى وصل الأمر إلى انتشار مقاطع فيديو مقززة للنفس السوية، ظهر في أحدها شخص من الجنسية الآسيوية يقوم بقذف سيارة تابعة للإدارة العامة للمرور ببالونة مليئة بالماء دون أن يتوقف رجل المرور لمحاسبة هذا الشخص، فهل يعقل أن يكون هذا هو الهدف من العطلات الوطنية؟
لا أعتقد أنه ومنذ أن عرف الكويتيون مثل هذا الاحتفال الأخرق، أن المسؤولين تدراسوا آثار هذه السلوكيات المنحرفة على الممتلكات العامة والخاصة والخسائر التي تتكبدها الدولة بعد كل عطلة وطنية، وإلا ما كان أي مسؤول سيوافق على تشويه سمعة الكويت في الداخل والخارج بهذه الطريقة الغريبة.
لقد رأيت الشعب الإسباني يحتفل بموسم الطماطم بطريقته الخاصة التي لا يمكن أن نتقبلها نحن لأنها تظهر المحتفلين بالمسرفين بنعم الله، رغم أنهم يحتفلون بفائض الطماطم، ولا يقدرون على تصديرها للخارج بسبب ارتفاع التكاليف، ورأينا كيف يحرق المزارعون الأميركيين محصول الذرة الفائض حتى لا تنخفض أسعارها في الأسواق العالمية، في حين ننظر نحن بدورنا إليها من منظور الإسراف في النعمة على الرغم من أنها وسيلة اقتصادية للحفاظ على توازن الأسعار، ورغم كل هذا فإنني لا أرى الاحتفال الإسباني ولا الحرق الأميركي للذرة غريباً أو مؤذياً لأحد بقدر الأذى الذي يتسببه المحتفلون في الكويت بمصدر ثروة شحيحة هي الماء، وكأننا لم نقرأ الآية الكريمة: «وجعلنا من الماء كل شيء حي»، كما أنني لم أسمع بدولة تحتفل بأعيادها الوطنية فتكون النتيجة ضحايا بالمئات وخسائر مادية بالملايين.