بفعل فاعل، وعن سبق إصرار وترصد وعناد، انتهى حال تجربتنا الديموقراطية إلى دفع الكويت نحو حلقة مفرغة من الجمود وتعطيل التنمية، بسبب عدم الاستقرار السياسي والإداري، والذي تكشف أحد تجلياته إحصائية أعدتها «الجريدة»، بإظهارها أن أعداد الوزراء، خلال السنوات العشر الأخيرة وصلت إلى 152 وزيراً عبر 15 حكومة، دون أن يعطى أغلبهم الفرصة لتطبيق أفكاره واستراتيجيته للنهوض بالحقيبة التي عهد به إليها، في سعي دؤوب وغير مبرر من البعض إلى وأد الجهود الهادفة إلى المساهمة في دفع قاطرة التنمية نحو الأمام.
وتقدم الإحصائية نتائج عددية لسياسة عدم إعطاء وزراء التكنوقراط فرصة كافية، حيث لا يكاد أحدهم يشرع في العمل حتى يفاجأ بسياط الاستجوابات وأسلحة التخوين والتشكيك والمطالبة باستقالته، ليجد نفسه مضطراً إلى تقديمها ومغادرة عمله بكرامته من منتصف الطريق، ليأتي الذي بعده للبدء من جديد، ويتكرر معه ما حدث مع سابقه، دون أن يحقق أحد شيئاً مما كان يخطط له، وهكذا يستمر الحال في الدائرة المقيتة دون بارقة ضوء في نهاية النفق.
وتشير الإحصائية إلى أن عدد الحكومات التي تم تشكيلها خلال نحو 10 سنوات بلغ 15 حكومة، ضمت 152 وزيراً، منهم من تم تعيينه في أكثر من تشكيلة، وتولوا خلالها 332 حقيبة، وهو ما انعكس تراجعاً في أداء الوزارات.
وتوافد في الـ 15 حكومة على وزارة الداخلية خلال تلك الفترة 7 أسماء، وعلى «الدفاع» 10، و«الخارجية» 3 أسماء، و«الصحة» 7، و«الشؤون» 11، ومثلها للعدل والأوقاف والإسكان، فيما تسلم حقيبة الإعلام 6 أسماء، والشباب 5 والمالية 7 والتنمية 5 والأشغال 5 والنفط 8 والتجارة مثلها، والبلدية 10 والتربية والتعليم العالي 10، ووزارة الدولة لشؤون مجلس الأمة 10، والدولة لشؤون مجلس الوزراء 7 أسماء.
ومع كثرة التغيرات في الوجوه الوزارية، عاشت الكويت حالة من عدم الاستقرار السياسي، شهدت معها جملة من التقلبات والاضطرابات السياسية، التي تعثرت على جسرها كل محاولات الإصلاحات الحقيقية على كل الصعد، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ورياضياَ.
وفي خضم هذه التقلبات، كانت لغة التكسبات وفرض النفوذ هي السائدة، وغابت معها لغة النهوض بالخدمات والقطاعات المختلفة، وتأخر التطور وتوقفت عجلة التنمية تماماً، وحل محلها التراجع في أغلب المؤشرات.
ورغم الكم الهائل من المشاريع والاقتراحات المقدمة من الحكومة والنواب، غابت التشريعات الاقتصادية الحقيقية بشكل شبه كامل، ولا يوجد بها أية معالجات لتحسين مستوى التصنيف الائتماني للدولة، والتحوط للأزمات الاقتصادية أو العودة لانخفاض أسعار النفط، واستبدل ذلك باقتراحات شعبوية عبثية لا تبني وطناً وتدفع به إلى الأمام، بل تعزز مراكزه في الخلف.
ومع كثرة التغييرات يبقى السؤال: متى سيتحقق الاستقرار السياسي في الكويت؟ ومتى ستتعاون السلطتان التشريعية والتنفيذية على تنفيذ برنامج عمل طموح؟ وهل سنرى الحكومة القادمة تكمل مدتها كاملة، ويمكّن خلالها كل وزير من تنفيذ رؤيته وما ورد في برنامج الحكومة ليكون المقياس على عودته من عدمه للحكومة الجديدة؟ أم سنظل نسير في الحلقة المفرغة ذاتها؟