اسحبوا الغطاء
في مانشيتين لـ «القبس» و«الراي»، قبل يومين، كانت العناوين العريضة «السعودية أرض الأحلام» (الراي)، و«الخليج يتحول إلى وجهة سياحية عالمية» (القبس)، عبارة عن منافسة قوية بين دولة الإمارات العربية والمملكة العربية السعودية في التصدّر لعالَم السياحة والاستثمار الأجنبي، وتوفير ملايين فرص العمل للمواطنين، وهذا لا يعني أن بقية دول الخليج ـ عدا دولة يا ربّ لا تغير علينا - تقف متفرّجةً، بل حشرت نفسها واندفعت في سباق لعالَم ما بعد عصر النفط.
كان «الكلام لك يا جارة» في المانشيتات السابقة يؤشّر للإدارة السياسية في دولة الأمجاد الماضية والخامدة اليوم، وهي الكويت، لكن هل تنفع مثل تلك الإشارات الصريحة؟! وهل هي مُجدية الآن؟ آلاف المقالات والبحوث الدراسية نشرت من أعوام طويلة، وفي النهاية، كأنّ المتحدثين كانوا يخاطبون حائطاً أصمّ، لا رد، ولا مبالاة من السلطة التي لا هي في العير ولا في النفير، ووضعت رأسها على وسادة النوم وغطّت في شخير ثقيل.
الحجة التي يروّج لها النظام بـ «نرويج الخليج»، أن دول الخليج الصاعدة في طموحاتها وبرامجها الاقتصادية ليس بها مجالس نيابية تحدّ من إصلاحات السلطة الحاكمة، والحريات السياسية عندنا أوسع وأشمل، ولا يتحدث بلغاء الحصافة في السلطة ولا غيرهم من أصحاب النيّات الحسنة عن الحريات الشخصية، التي هي أعمّ وأوسع بكثير بدول الخليج من الحال هنا، كذلك لا يذهب المدافعون عن نموذج النرويج الخليجي إلى ما هو أبعد من مقولات لدينا مجلس ودستور وصحافة حرّة...!
أين هو المجلس الآن، وماذا كانت سلطاته في السابق واليوم؟ وهل كان لدينا بالفعل ممارسة فعلية لاستقلال السلطات ومفهوم السلطة تحدّ من السلطة، وهل كانت لدينا ديموقراطية حقيقية وصحافة حرة يصح التضحية من أجلهما، أم صورة شكلية من التمثيل النيابي وجدت السلطة فيه عذرها لتعلّق عليه خمولها وقصور فكرها في التخطيط والعمل من أجل الغد؟!
هل وصلنا إلى حال الإيمان بما كتبه صموئيل هنتنغتون بأن مثل بلادنا بحاجة إلى نظام أكثر من حاجتنا إلى الحريات؟ فكيف تفهم الغالبية من الجمهور مفهوم الحرية وأبعادها، ما دام ولاتها، سواء كان هذا في معظم المجالس شبه النيابية المتعاقبة منذ منتصف ستينيات القرن الماضي وحتى اليوم، وكذلك في الحكومات الثابتة (المتغيرة شكلاً دون المحتوى)، لا يعون معنى الحريات ولا مفاهيم الحداثة والتقدم؟
وانتهينا اليوم بـ «نرويج الخليج»، بحالة لا مجلس، ولا حكومة، ولا قرار سياسياً حازماً ولا تخطيط وعمل للغد.. ماذا يُجدي هذا المقال أو غيره؟ اسحبوا الغطاء على رؤوسكم وأكملوا نومكم الطويل، فغداً، ستصحون على الإفلاس الاقتصادي مثلما أنتم مفلسون اليوم في عالَم السياسة.