ما قل ودل: التضامن الإنساني لإنقاذ ضحايا الزلزال ومأساة سورية
التضامن إلانساني
هي صفة مشتقة من الإنسان، وفي تعريف الفلاسفة للإنسان، اختلفوا فيما بينهم، إلى أن اتفقوا على أنه كائن ذو تاريخ، تمييزاً له عن سائر الكائنات الحية، وهو وحده دون هذه الكائنات المكلف بعبادة الله.
وتتمحور الأديان السماوية جميعاً حول الإنسان، فغايتها إصلاحه وتقويمه، سعياً لبناء المجتمعات الصالحة، والدول القائمة على العدل والحرية والمساواة، وقد خلق الإنسان على الفطرة التي تهفو إلى الخير، وتسر بإدراكه، وتأسى من الشر وتتحاشى ارتكابه في قوله تعالى في كتابه الكريم: «فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ». (الروم آية 30).
وقد تجلت فطرة الإنسان في ميله إلى الخير، وتوظيف طاقاته المعطلة، في العاطفة التي غمرت قلوب هؤلاء الذين تطوعوا لإنقاذ ضحايا الزلزال، من تحت الأنقاض التي خلفها الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سورية، والذين واجهوا الأخطار وتحملوا الصعاب، وعانوا مشقة الطقس الشديد البرودة، راسخين في عملهم، لإنقاذ روح لإنسان يئن تحت الأنقاض، في تصميم وإصرار على مواصلة عملهم النبيل آناء الليل وأطراف النهار.
كما تجلى التضامن الإنساني بين الدول في طائرات وشاحنات تحمل الخيام والأغطية والأدوية والأغذية من 70 دولة، للناجين أو النازحين من ديارهم بالملايين حفاظاً على حياتهم، ومنهم أطفال بلا أسماء، كما أعلنت هيئة الإذاعة البريطانية، وشيوخ ونساء يهيمون على وجه الأرض، باحثين عن ملجأ أو مأوى، وهم يتلحفون السماء.
سورية الأشد معاناة
فقد غلبت الأهواء السياسية على التضامن الإنساني، فالحدود السياسية تقف سداً مانعاً من وصول القوافل الإنسانية عبر هذه الحدود، أو فتح كل المعابر للوصول إلى منطقة الزلزال، وحدود أخرى اصطنعها الصراع في سورية، فالزلزال في مناطق خاضعة للدولة، وأخرى خاضعة للمعارضة المسلحة، وثالثة خاضعة للجماعات الإرهابية، ورابعة للأكراد المسلحين، بما يستحيل معه التنسيق بين هذه القوى جميعاً في إنقاذ ضحايا الزلزال أو التخفيف من معاناتهم.
الصراع السياسي بين نظام الحكم في سورية والمعارضة يقف سداً كذلك أمام وصول هذه القوافل، بالسرعة المطلوبة.
وقد زادت معاناة سورية، التي يصارع الكثير من أبنائها للبقاء على قيد الحياة، أمام الحصار المضروب حولها منذ 12 سنة، من الحروب والقتل والدم ونقص الوقود والكهرباء وغيرها من مستلزمات وضرورات الحياة، والتنظيمات الإرهابية، العابرة للحدود، التي تصول وتجول على أرضها، والعزلة العربية والدولية، وتدخلات دولية لتصفية حساباتها على الأرض السورية.
وقد أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان أن تنظيم داعش أعدم 12 مختطفاً، بينهم امرأة وموالون سوريون للنظام، مستغلاً انشغال العالم بكارثة الزلزال المدمر، وأن 63 مختطفاً آخرين من بادية تدمر لا يزال مصيرهم مجهولاً، وأن الجميع من عمال جمع الكمأة، ولا علاقة لهم بالصراع السياسي في سورية.
الحصار الغربي لسورية
إن الحصار الذي فرضه الاتحاد الأوروبي، بمباركة أميركية، والذي فرض لتشديد الخناق على نظام الحكم السوري والمتعاونين معه في إيران وسورية، وقد تنكب غايته في دعم مطالب الشعب السوري في تحقيق العدل وترسيخ مبادئ الحرية والديموقراطية، إلى حماية أمن إسرائيل، بما فرضه من حظر تصدير النفط السوري، وتجميد أصول البنك المركزي، وتقييد استيراد المعدات والتقنيات، وفي سنة 2019 فرضت أميركا مزيداً من القيود لفرض عزلة دولية على سورية.
وهذه معاناة أخرى عانتها سورية، قبل الزلزال الذي جاء ليزيد هذه المأساة، ويذكر في هذا السياق أن كلاً من الجزائر ومصر والعراق وتونس والأردن والإمارات وإيران والهند والصين قد استطاعت أن تكسر هذا الحصار، بالإمدادات الجوية الإنسانية لضحايا الزلزال في سورية.
ولكن من يضمن وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق غير الخاضعة للنظام السوري، ومن يضمن عدم بيعها في الأسواق لحساب بعض المسؤولين؟ سؤال يتردد على ألسنة البعض.
وقد اعترف مارتن غريفين مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية بخذلان المجتمع الدولي للسوريين المتضررين، وعدم إمدادهم بما يكفي لمواجهة كارثة الزلزال.
كما أعلنت منظمة الصحة العالمية ومنظمات الإغاثة الحاجة العاجلة لسورية لمبلغ مليار دولار لمواجهة تداعيات هذه الكارثة، خصوصا بسبب تفاقم الأوضاع الإنسانية، ونقص الأغذية والأدوية، بما يعرض النازحين للأمراض والأوبئة.
وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.