الشفافية في أسواق المال تمثل حجر زاوية مهماً وأساسياً، وتمكِّن المستثمرين من اتخاذ قراراتهم وفق أسس ثابتة ومعطيات واضحة، خصوصاً بالنسبة للمستثمرين المؤسسين، إذ تمثل لهم الأرقام والبيانات الصحيحة والدقيقة من الشركات المدرجة أحد أهم الأركان في تحليل البيانات وقراءة الميزانيات.
ويؤكد كبار مسؤولي شركات إدارة الأصول لـ «الجريدة» أن الشفافية بالنسبة لمدير الثروات والأموال في البورصة كالفرق بين النور والظلام. فمن المهم لنا عندما تعلن شركة في البورصة عن عقد أو مناقصة أن تحدد هامش الربح المتوقع والأثر المالي بوضوح حتى يمكننا اتخاذ القرار الاستثماري على أسس مهنة ورؤية واضحة ونتمكن من تحديد الهدف الاستثماري من السهم والفترة الزمنية.
كما تعتبر الشفافية في أسواق المال العالمية إحدى أدوات القياس والمعايير المهمة بالنسبة للمستثمر الأجنبي، الذي يعمل باحترافية ودقة تختلف عما هو سائد في السوق المحلي الذي يعتمد بالدرجة الأولى على المعلومات والبيانات المتناقلة سواء «وفق علاقات – أو حسب التسريب البيني والداخلي»، لذلك هذا الأمر يفسر بدرجة كبيرة تركز السيولة الأجنبية في السوق على عدد محدود من الشركات المدرجة لا يتعدى 16% منها 6.5% تمثل القطاع المصرفي.
مشكلة تحتاج وقفة
كما هو قائم وفقاً لإفصاحات الشركات المدرجة بالبورصة، ثمة تفاوت كبير بين تقديم المعلومة، فالأغلبية المطلقة من الشركات تتعمد بشكل واضح وصريح إخفاء هامش الربح المتوقع للمناقصة أو العقد، بالرغم من أن هامش الربحية واضح لكل شركة تنافس على عقد أو مناقصة، فأبجديات المنافسة على أي مناقصة أو مشروع هو تحديد قيمة ما لتكاليف المشروع يضاف إليها هامش ربح ولو على صعيد التنبؤ أو التوقعات الأولية.
والتساؤل الذي يطرح نفسه هو لماذا تخفي الشركات هامش الربح عن المستثمرين؟ ولماذا تعلن ذات الشركة مرة عن هامش ربح متوقع وتخفي في عقد آخر او مناقصة تالية نسبة الربح؟
الأمر ليس من باب العبث، كل شركة تملأ خانة الأثر المتوقع أو أثر المعلومة الجوهرية بكلام إنشائي مطاطي لا يسمن ولا يغني من جوع بالنسبة للمستثمرين، مثل «سنقوم بإعلامكم بأي تطور لاحق»، أو سيتم تحقيق أرباح تشغيلية ستدرج في البيانات المالية للربع الثاني أو الثالث «وهو ما يفسر ما أكدنا عليه من اعتماد حركة السهم على التسريب بالدرجة الأولى، إذ يفضح هذا الأمر تفاعل سهم بقوة مع مناقصة صغيرة الحجم وعدم تفاعل سهم آخر مع مناقصة ضخمة».
تضليل وجريمة
وفق القوانين المنظمة للسوق المالي، يعتبر إخفاء المعلومة أو تضليل المستثمر عبر إيحاءات وتفسيرات متباينة نتيجة التعمد في حجب المعلومة، من الممارسات التي تمثل جريمة يعاقب عليها القانون.
ويومياً ترتكب الشركات المدرجة تلك الجريمة ويمر الإفصاح مرور الكرام وهو الهدف الأهم بالنسبة للشركة، ولم يسبق أن قامت الشركات التي تحجب معلومة اثر العقد بإعادة الإفصاح عن هامش الربح الذي حققته.
لمَ الريبة والشك؟
هذا الواقع الذي تختلقه الشركات يفتح مجالات للريبة والشك في أن بعض الشركات تفوز بعقود ضخمة وتقوم بإسنادها بالباطن لشركات شخصية لبعض كبار الملاك والمتنفذين في بعض الشركات، مما يلتهم أغلبية هامش الربح، وهذا الواقع يفسر على سبيل المثال كيف لشركة أن تفوز بسلسلة عقود بمئات الملايين سنوياً ولا تتعدى ربحيتها في نهاية العام فلوساً معدودة ولا يستفيد المساهم بأي توزيعات.
على البورصة كجهة متلقية لإفصاحات الشركات مسؤولية جسيمة في هذا الأمر، من ناحية ضرورة أن يكون الإفصاح واضحاً وبكلمات مفهومة للجميع كما نصت عليه تعليمات هيئة أسواق المال في باب الإفصاح والشفافية، وأي غموض في الإفصاح يجب ألا يتم نشره وتوقيف السهم حتى تتلقى الإفصاح، كما أنه من العوار والخلل أن تفصح الشركة أكثر من إفصاح لذات المعلومة (إفصاح تكميلي) إذ يتوجب أن يكون الإفصاح شاملاً ودقيقاً بالأرقام ولدى البورصة مرجعية رقابية تتمثل في هيئة أسواق المال بحيث أي شركة غير متعاونة يتم إبلاغ الهيئة لاتخاذ الإجراءات القانونية تجاهها.
أيضاً هذا الملف يجب أن يكون هدفاً لفرق التفتيش في هيئة أسواق المال بحيث تدقق على المناقصات التي فازت بها الشركات وتراجع هوامش الربحية التي تحققت وتدقق في الشركات التي فازت بعمليات تنفيذ لهذه العقود والمناقصات بالباطن وصلتها بملاك الشركة وأعضاء مجالس الإدارات والأجهزة التنفيذية ولماذا تهمل الشركة لاحقاً الإفصاح عن هامش الربحية بعد انتهاء المناقصة؟
تساؤلات وأهداف
تقول مصادر في ملف المناقصات، إن هناك شركات تكون هوامش الربحية كبيرة جداً وعالية وتتعمد إخفاء هامش الربح حتى لا تثار التساؤلات حولها أو تكشف ذلك أمام الجهة صاحبة العقد أو المناقصة، وهناك شركات أخرى تحرق أسعار المناقصة وتراهن على الأوامر التغييرية أثناء التنفيذ لتحقيق هامش ربح للشركة، ونموذج ثالث هدفها ألا تخرج المناقصة عنها حتى لو لم تربح أي فلس وتراهن على استخدام منتجات شركاتها التابعة والزميلة ومواد خام ذات صلة سواء ملكية شخصية او عائلية، ما سبق لا يبرر تضليل المستثمرين وحملة الأسهم في البورصة.
سرعة الإصلاح
العدالة في الوصول للمعلومة الصحيحة والدقيقة تستوجب التحرك على كل المستويات فهوامش الربحية ومدى استفادة أي شركة من مناقصة أو عقد معلومة واضحة لمجالس الإدارات والأجهزة التنفيذية وأصحاب المصلحة في المقابل مجهولة لكل المستثمرين والمتلقين وفي ذلك عدم عدالة وهو أمر يستوجب سرعة تغيير هذا الواقع.
لا إفصاح بلا هامش ربحية
على بورصة الكويت عدم نشر أو قبول أي إفصاح من أي شركة مدرجة يخص عقد أو مناقصة دون أن يتضمن هامش الربح المتوقع، ولتبدأ في ترسيخ وتكريس نهج جديد إن أرادت تعزيز الشفافية وجذب المزيد من المستثمرين الأجانب وأصحاب السيولة محلياً وخليجياً.