التقى خبير الأحياء والتنمية البشرية د. خالد غطاس جمهوره بالكويت للحديث عن العلاقات والقيم في أمسية ثقافية اجتماعية لدار فضفضة، والتي انطلقت في السادسة مساء أمس الأول واستمرت حتى الثامنة، في فندق سان ريجنس الكويت، بحضور جماهيري كبير.
ورحبت مديرة دار فضفضة إقبال عيسى بالحضور، مؤكدة أن «الهدف من الفعالية هو الاستماع دائما للرأي الآخر والتقبل، لأن التعصب لا يجلب إلا مزيدا من المشاعر السلبية التي تسعى الدار من خلال أهدافها إلى تقليلها وتعزيز المشاعر الإيجابية من خلال عملية الفضفضة، وهي نوع من العلاج النفسي، الذي نحتاج له في عصرنا الحالي، بعدما أصبحنا للأسف نعاني من شرزمة الأسرة والتجمعات، بينما تحاول «فضفضة» إعادة مفهوم تلك المجالس التي تعالج مشاكلنا بحب وعلاقات سليمة».واستعرض د. خالد غطاس خلال الأمسية 7 قصص مختلفة، تهدف في مجملها إلى التعرف على حقيقة الإنسان وحجم التشابه الكبير بين الأشخاص من الداخل أو الجوهر، «فيما يبقى المظهر الخارجي للشخصية على مستوى السلوكيات والتصرفات هو نتيجة للبيئة والأفكار التي يحملها كل منا»، مؤكدا أن الحل في جميع الأزمات التي يعيشها الإنسان المعاصر هو التمسك بالفطرة السليمة والقيم الإيجابية وتعاليم الأديان التي تدعو الإنسان إلى الالتزام والوسطية في كل شيء.
اليأس والأمل
وحذر غطاس خلال ندوته، التي استعرض فيها الصراع الدائم بين اليأس والأمل، من انجراف الإنسان المعاصر خلف كل ما هو حديث، أو تقليد كل جديد، أو الانبهار بصيحات العصر على مستوى الأفكار أو حتى المظاهر، مؤكدا أن السعادة ليست في اقتناء كل شيء، أو تتبع كل صيحة، وأن السعادة الحقيقية الثابتة التي لا تقبل الشك هي في الرضا وتقبل النفس والناس والأخطاء والتعامل معها دون الانجراف فيها، موضحا أن الفرق كبير بين التقبل واستسهال الخطأ.
كما حذر من استصغار البدايات، مؤكدا أن كل خطأ فادح وكل جريمة كبيرة بدأت من لا شيء، وأن الإنسان حين يستصغر البدايات يجد نفسه ودون أن يشعر وقع في المحظور، مضيفا أن النجاة هي في تجنب الأخطاء في صورتها الأولى، التي ربما لا تتحمل أي خطأ، ولكن التبعات تقود إلى سيناريوهات أبعد ما تكون عن الذهن بالوقت الحاضر.
وعلى مدى الندوة تفاعل الجمهور مع الحوار الذي خلقه غطاس، كما فتح المجال للأسئلة التي تمحورت حول ضياع الهوية وتشتت العلاقات وغياب الوعي لدى الفرد حول نفسه وأسرته وأبنائه، مؤكدا أن الإنسان يجد نفسه حين يتخلى عن أنانيته ويجد هدفا أكبر خارج نفسه يعيش من أجله مثل أسرته أو أبنائه أو مساعدة المحتاجين، أو غيرها من الأمور الإنسانية التي تعزز الروح وتمنحها هدفا أكبر للبقاء والعطاء.
جدير بالذكر أن د. خالد غطاس ولد في صيدا عام 1983، ونشأ في بلدته برجا، ودرس في مدرسة الفنون الإنجيلية، وحصل على البكالوريوس في الكيمياء من جامعة بيروت العربية، ثم الماجستير والدكتوراه في علوم الأحياء من الجامعة الأميركية في بيروت، وانتقل بعدها إلى إسبانيا حيث حاز الماجستير في إدارة الأعمال الدولية عام 2021، ثم توجه إلى جامعة هارفرد لنيل شهادته في «Authentic leadership management».
ولا تقتصر اهتماماته على البحث العلمي وإدارة الأعمال، بل تتخطاها لتشمل السلوك البشري وعلم النفس وحضارة الشرق الأوسط من شعر وفن ودين وفلسفة، ولقد حرص على توظيف هذا الشغف في محاولة نشر رؤاه وأفكاره في كتاباته.
«النفاق جميل»
ويعد «... وكان النفاق جميلاً» الكتاب الأول للمؤلف، ويضم روايات فلسفية قصيرة قد لا تبدو مترابطة في البداية، إلا أنها لا شك تجتمع بجوهرها فينا نحن بني الإنسان، وتناقش هذه الروايات معضلات اجتماعية وفردية تواجه الإنسان المعاصر، إلا أن الكاتب لا يقدم حلولا لأي من تلك المعضلات، بل يحاول بأسلوب مباشر وغير مباشر أن يفتح أبواب الفكر لدى القارئ ليتأمل ما آلت إليه دنيا اليوم من فقدان للهوية، وإفراط في العقلانية، ومبالغة في الانفتاح، وإدمان على التكنولوجيا وغيرها مما يؤثر على جوهر الإنسان وقدراته البشرية كالحب والأمل والإبداع والخيال والإيمان، وغير ذلك.
ولتجسيد هذه الأفكار، قرر د. خالد إنشاء مبادرة إنسانية بعنوان «الورشة» من مختلف الأعمار والأطياف والأديان، من شأنها محاربة الحياة الفردية وإعادة إحياء السلوكيات والمفاهيم المتمدنة التي باتت نادرة مع هذا العصر، فهي بدورها تحاول إعادة اكتمال الإنسان ورقيه، وتعزير مفاهيم اجتماعية مثل الانتماء والصداقة وغيرها، والهدف الأساسي والأبرز للورشة هو بناء إنسان متوازن وحر على جميع الصعد.