استقالات الحكومة المتكررة وتوقف الجلسات دلالة على وجود أزمة كبيرة بين السلطتين، ولا شك في أن المطالبة بسرعة تشكيل حكومة جديدة دون مناقشة أسباب الاستقالات السابقة ستعيد ولادة أزمة أخرى، وتستمر حالة عدم الاستقرار، وأرى أن يبحث الأعضاء والحكومة بتجرد أسباب انعدام التعاون بينهما، وأن يعيدوا النظر في كثير من اقتراحات وأولويات الأعضاء مع المناقشة الصريحة لعمل الحكومة، بهدف التوصل إلى الحد الأدنى من الاتفاق الذي يضمن الاستقرار.
فعلى الأعضاء استبعاد الاقتراحات غير المتفق عليها التي تثير الأزمات بين السلطتين والإسراع في تقديم الاقتراحات الضرورية التي يمكن الاتفاق عليها، خصوصاً التي تتعلق بمكافحة الفساد، مثل قانون القيم البرلمانية وقانون إلغاء الاستثناءات من كل القوانين أو معظمها، وقانون البديل الاستراتيجي الذي يعدل فوضى الرواتب، وقانون إلغاء وعدم الاعتداد قضائيا بأي قرار أو توقيع لأي مسؤول إذا كان يخالف القانون، بالإضافة إلى قانون يضع قواعد عامة ومجردة للتعيين والترقية والمناصب القيادية، وكذلك الإنجاز السريع لقوانين الإصلاح الاقتصادي التي تضمن تعيين 30 ألف كويتي يتخرجون سنوياً في القطاعين العام والخاص، والعمل على زيادة الدخل غير النفطي والانصراف فوراً عن القوانين ذات الكلفة المالية الكبيرة التي يجمع الاقتصاديون الثقات على ضررها، وثبت بعد إقرار العديد منها عدم جدواها، كما يجب تأجيل قوانين ما يسمونه الإصلاح السياسي وقوانين تعديل اللائحة الداخلية للمجلس، خصوصاً أن هذه الاقتراحات يثار حولها شبهات دستورية عديدة، ولا بأس بالاحتكام بشأنها إلى المحكمة الدستورية.
وأعتقد أن الحكومة ستوافق على جميع هذه الاقتراحات أو على معظمها لأنها شعبية وإصلاحية في الوقت نفسه وفي المقابل فإن عليها إلغاء قرارها السابق بصرف معاشات استثنائية فلكية لوزراء الحكومة المستقيلة، فقد يكون من المضحك أن يكون في الحكومة القادمة وزراء سابقون يحصلون على معاش تقاعدي قدره ستة آلاف دينار ولا يحصل الوزراء الجدد عليه مثلهم، وهكذا فهل سيستمر صرف هذا المبلغ لكل وزير جديد ومدى الحياة؟
كما أن على الحكومة أن تبدأ فوراً بالإصلاح الاقتصادي، وتعمل بقرارات حازمة من أجل توافق التعليم والبعثات مع حاجات سوق العمل، وأن تقلص مصروفاتها بعد أن أعلنت هي أن الميزانية الجديدة لن تتعادل إلا إذا وصل سعر برميل النفط إلى 92 دولاراً.
وأيضاً على الحكومة أن توقف فوراً واسطات النواب والوزراء وتدخلاتهم في النقل والتعيين، وهي الممارسة التي انكشفت على صفحات الصحف ووسائل التواصل في الأشهر القليلة من عمر الحكومة المستقيلة، كما يجب على الحكومة أن تصارح الشعب بأسباب الوضع المؤسف للشوارع والمسؤولين عنه وغيرها من المشكلات التي تعد قصوراً خطيرا في عملها.
أعتقد أنه لا يوجد كويتي يختلف حول أهمية هذه الأولويات إذا خلصت النيات وتم الابتعاد عن المصالح الضيقة والأوهام الانتخابية التي يجب أن يتم الحوار بشأنها بروح التفاهم والتوافق نفسها التي وضع فيها الدستور، والتي إذا تم الاتفاق عليها بين السلطتين فستحصل البلاد على استقرار وإنجاز ممتاز يمتد إلى دورَي انعقاد أو أكثر في المجلس الحالي، وبإمكان الأعضاء الذين يطالبون بأولويات أخرى غير متفق عليها أن يؤجلوها إلى أي دور انعقاد قادم خلال الفصل التشريعي الحالي، لأن البلاد تعبت من عدم الاستقرار وتقديم الاختلافات على الاتفاقات الضرورية الممكنة.