مع تواصل تسجيل مئات حالات التسمّم التي تطول تلميذات يقلن إنّهن يعانين ضيقاً في التنفس وغثيانا من جرّاء روائح أو غازات غير معروفة، وسط غموض بشأن الجهة التي تقف وراء الحوادث التي تصاعدت خلال الأسبوعين الماضيين، نظمت وقفات احتجاجية، أمس، في عشرات المدن الإيرانية، للمطالبة بتوفير الأمن في المدارس.
وأفادت تقارير معارضة بأن قوات الأمن أطلقت الغاز المسيّل للدموع لفضّ بعض التجمعات التي شارك بها معلمون ومواطنون، تلبية لدعوة دعوة المجلس التنسيقي لنقابات المعلمين، وهتفت ضد الحكومة وحمّلت النظام «مسؤولية قتل الأطفال»، وكان أبرزها في محافظة كيلان وكردستان.
كما شهدت أصفهان تجمّعاً احتجاجياً أمام مبنى التعليم في المحافظة، حيث تدخلت القوات الأمنية لتفريق المتظاهرين. وذكرت قناة المجلس التنسيقي لنقابات المعلمين أن قوات الأمن فرّقت تجمّعا للمعلمين والمواطنين المحتجين أمام المديرية العامة للتعليم في محافظة فارس، وألقت القبض على أمين جمعية المعلمين بالمحافظة.
ومن بين المدن التي تمّ فيها نشر تقارير ومقاطع فيديو عن التجمعات: كاشمر، وسقز، وهسين، وأليكودرز، وأردبيل، ورشت، وطهران، ولاهيجان، وبابل، وكرمانشاه، ودالاهو، وكرج، والأهواز، وسميرم، ومشهد، وأصفهان، وسنندج، ومريوان، وشيراز. وفي طهران، كانت هناك تقارير عن تجمّع المعلمين أمام مبنى دائرة التعليم، المنطقة 5، وردد المتظاهرون شعارات مثل: «الموت للنظام قاتل الأطفال»، و«أيها الباسيجي، أيها الحرس، أنتم داعشنا».
وخرجت تظاهرة محدودة في شارع جمهوري بالعاصمة طهران للتنديد بالحوادث التي تلقي المعارضة باللوم فيها على السلطات الإيرانية التي تشير، من جهتها، إلى وقوف أطراف خارجية وجهات استخباراتية وراءها.
وفي تجمّع بمدينة مشهد شمال شرق البلاد، حمل المعلمون لافتات كُتب عليها: «هنا بوكوحرام إيران، حيث يتم تسميم التلميذات»، في إشارة إلى جماعة بوكوحرام النيجيرية المتشددة، و«الموت لطالبان، سواء في إيران أو أفغانستان». وبالتزامن مع الوقفات التي ذكرت بموجة الاحتجاجات الواسعة التي شهدتها البلاد بعد وفاة الشابة مهسا أميني خلال احتجازها من قبل الشرطة، بسبب مخالفتها لقواعد ارتداء الحجاب الإلزامي، ترددت أنباء عن تعرُّض عدد من طالبات المدارس في مدينة دالاهو للتسمم ونقلن إلى مراكز طبية.
وفي حين وجّهت عدة ناشطات اتهامات للمؤسسة الدينية الحاكمة بالوقوف وراء التسميم انتقاما من النساء والفتيات بعد مشاركتهن بقوة في احتجاجات مهسا، أعلنت وزارة الداخلية الإيرانية، أمس، أولى عمليات التوقيف المرتبطة بالقضية التي تثير غضبا كبيرا في البلاد. وقال نائب وزير الداخلية ماجد مير أحمدي: «أوقف العديد من المشتبهين في خمس محافظات، والأجهزة تواصل تحقيقاتها»، دون الإدلاء بالمزيد من التفاصيل عن هوياتهم أو مدى تورّطهم. وأفاد عضو بلجنة التحقيق البرلمانية المكلّفة التحقيق في حالات التسميم بأنه في المجموع «تضررت أكثر من 5 آلاف تلميذة» في نحو 230 مدرسة بـ 25 محافظة في البلاد من أصل 31، منذ نهاية نوفمبر الماضي.
انتقاد وتكريم
في غضون ذلك، اعتبرت الولايات المتحدة أن «تسميم الفتيات في المدارس في أنحاء إيران يدلّ على انعدام الضمير». وذكر البيت الأبيض، أمس، أن التحقيق في حالات التسمم يمكن أن يكون من ضمن صلاحيات بعثة الأمم المتحدة لتقصّي الحقائق في البلاد.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارين جان بيار: «إذا كانت عمليات التسميم هذه على صلة بالمشاركة في الاحتجاجات، عندها يكون التحقيق فيها من ضمن صلاحيات بعثة الأمم المتحدة الدولية المستقلة لتقصّي الحقائق في إيران». وقالت المتحدّثة باسم البيت الأبيض: «يجب أن يكون هناك تحقيق مستقلّ ذو مصداقية، وأن يُعاقَب المسؤولون».
وأمس الأول، أعلنت واشنطن أن الحفل السنوي لتوزيع «الجائزة الدولية للنساء الشجاعات»، الذي سيقام في البيت الأبيض اليوم، سيتخلّله تكريم للمرأة الإيرانية التي قادت حركة الاحتجاجات الواسعة النطاق في إيران.
تعهُّد وضربة
إلى ذلك، خرج مطار حلب الدولي في شمال سورية من الخدمة، فجر أمس، جراء ضربة إسرائيلية ألحقت أضراراً مادية به، في خطوة دانتها دمشق وحليفتها طهران التي يعتقد أن الضربة استهدفت إمداداتها للميليشيات المتحالفة معها في سورية. وذكرت وزارة الدفاع السورية أن الاعتداء نُفّذ من اتجاه البحر المتوسط غرب اللاذقية.
واعتبرت وزارة الخارجية السورية، في بيان، أن الاستهداف الإسرائيلي «يعد جريمة مزدوجة، لكونه من جهة استهدف مطاراً مدنياً، ومن جهة أخرى استهدف إحدى القنوات الأساسية لوصول المساعدات الإنسانية من داخل سورية وخارجها إلى ضحايا الزلزال». وفي طهران، ندّد الناطق باسم «الخارجية» الإيرانية، ناصر كنعاني، بـ «الهجوم اللإنساني» على المطار، داعياً «المؤسسات الدولية المسؤولة إلى اتخاذ إجراءات فورية وفعالة».
من جهته، أعرب وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الاثنين، عن قلقه إزاء استمرار العنف في إسرائيل والضفة الغربية، وشدد على ضرورة اتخاذ جميع الأطراف خطوات لإعادة الهدوء للمنطقة الملتهبة.
وجاءت الضربة الإسرائيلية الثانية في سورية منذ وقوع الزلزال المدمر، بعد ساعات من مباحثات بين بلينكن ووزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، رون ديرمر، ومستشار الأمن القومي تساحي هنغبي في واشنطن. ووفق بيان على لسان المتحدث باسم الخارجية الأميركية، نيد برايس، فإن بلينكن وديرمر وهنغبي ناقشوا العلاقات الثنائية بين البلدين، والتزام واشنطن بمنع إيران من تطوير سلاح نووي، والعمل المشترك لدفع «تعزيز التعاون المتبادل بشأن التهديدات التي تشكّلها طهران».