خط موسكو–إسرائيل بقي قائماً ومستمراً وفي أعلى مراحل «التحالف الإستراتيجي» مع مصر وسورية والعراق وليبيا، فروسيا بقيت مؤثرة وحاضرة، واستفادت من الحرب الباردة بأن أخذت حصتها من مناطق النفوذ في العالم العربي، واليوم تذهب الأنظار إلى دورها في الحرب الدائرة في سورية وعلاقتها بإسرائيل والسؤال المحير عند البعض، كيف تكون حليفاً استراتيجياً لنظام الرئيس بشار الأسد وفي أحلى حالاتها مع تل أبيب والحكومات المتعاقبة عليها ومن «اليمين» و«العمال»؟

أتفق تماماً مع ما يقوله الكاتب سامي عمارة، بأن موسكو تظل في صدارة المسؤولين عن وزر قيام إسرائيل، «خصماً من رصيد وحقوق وتاريخ العرب والفلسطينيين»، فالمؤرخون لم يتحاملوا على الدور السوفياتي والمحوري لستالين في صناعة إسرائيل، ففي أحد أهم المراجع الروسية، كتب «ليونيد مليتشي» عام 2005 أن «إسرائيل لم تكن لتظهر إلى الوجود لو لم يكن ستالين أراد قيامها».

Ad

كتاب «موسكو– تل أبيب- وثائق أسرار» يسرد ويحلل ويكشف خفايا تلك العلاقة التي قد تنطلي على بعض العرب ويتجاهلها الشيوعيون العرب واليساريون، ففي خفايا التاريخ وحتى لا ننسى، يستعيد سامي عمارة ما قاله أبا إيبان، أول مندوب دائم لإسرائيل في الأمم المتحدة «لولا صوت الاتحاد السوفياتي وحلفائه مثل، أوكرانيا وبيلاروسيا وبولندا وما قدمه إلينا من أسلحة عبر حلفائه في المعسكر الشرقي لما استطعنا الصمود لا دبلوماسياً ولا عسكرياً».

و«إذا كانت موسكو أخطأت في حق العرب والفلسطينيين مرتين فإن العرب أخطأوا في حق أنفسهم عشرات المرات»، على حد تعبير الكاتب المصري المتخصص بالشأن السوفياتي، سامي عمارة.

الخطأ الأول الذي ارتكبه الاتحاد السوفياتي بحق العرب، أنه شريك بصناعة دولة إسرائيل، وثانياً بسماحه بتدفق مواطنيه من اليهود على إسرائيل في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، وهو ما أوجد جالية روسية كبيرة من إسرائيل لها نفوذها وتأثيرها، أما خطيئة العرب، فتكمن في إضاعتهم كل الفرص التي أتيحت لهم لتصحيح ما ارتكبوه من أخطاء.

لكن لماذا استذكار الماضي ونبش «الأسرار والوثائق»، التي باتت جزءاً منسياً في ضوء التطورات اللاحقة ووقوف روسيا الاتحادية إلى جانب العرب في مواجهة أميركا، وتحديداً إلى جانب النظام السوري في معركته ضد قوى التغيير؟ روسيا الاتحادية حققت حلم الإمبراطورية القيصرية بأن يكون لها قاعدة عسكرية على المتوسط، وهي لاعب رئيس ومهم برسم الخريطة الجغرافية للقوى المتصارعة على الساحة السورية.

أخطر ما في هذه العلاقة، قيامها بتنسيق عسكري ومخابراتي على مستوى القيادة، مع إسرائيل، في الوقت الذي تغض فيه الطرف عن العمليات العسكرية الإسرائيلية المتكررة والمستمرة على «أهداف منتقاة» في سورية، وتقف للدفاع عن النظام وحمايته ومنعه من السقوط.

بعض المراقبين ينظرون إلى الدور الروسي في معركة بقاء النظام في سورية وبالتوازي مع أفضل العلاقات مع تل أبيب، بأنه من الألاعيب السياسية القادرة على جمع الأضداد فوق صفيح ساخن، وهذا ما تفعله موسكو الآن وبمهارة على خط دمشق– تل أبيب.