انتقلت من عالمنا هذا إلى العالم الآخر شقيقتي الغالية عائشة، فقد ربينا أطفالاً في منزل والدنا المرحوم الشيخ عبدالعزيز، كان يرحمه الله عالماً من علماء الكويت محباً للقراءة، وبصفة خاصة في كتب الفقه والتفسير والحديث واللغة العربية والتاريخ.
وكان لضعف بصره يحتاج دائماً إلى من يقرأ عليه من تلك الكتب، وكانت لدى شقيقتي- بالرغم من صغر سنها في تلك الفترة- قدرة فائقة على قراءة تلك الكتب، إذ كانت متمكنة من القراءة في تلك الكتب وبوضوح، وهي طالبة في المرحلة المتوسطة وأوائل المرحلة الثانوية، وربما كانت لا تستوعب ما كانت تقرأ، وكان والدي يستمتع بطريقة قراءتها.
وأحبت مهنة التدريس وهي المهنة التي عمل فيها والدي وجدي قبل افتتاح المدارس النظامية، فعملت أولاً مدرسة في المرحلة الابتدائية ثم وكيلة وناظرة، ثم بدأ لها اهتمام كبير في مجال التربية الخاصة، فبعد التحاقها بذلك المجال أصبحت ناظرة لمدرسة الشلل، وأحبت طلبة تلك المدرسة، واجتهدت اجتهاداً كبيراً لمساعدتهم ودفعهم لحب الحياة والمجتمع والنجاح في العمل.
ولا شك أن اهتمام دولة الكويت منذ منتصف القرن العشرين في حقل التربية الخاصة، إضاءة من إضاءات التريية الكويتية، واجتهدت المرحومة مع العاملين في هذا الحقل لتطوير هذا المجال، فأصبحت مراقبة لمدارس البنات، ثم أصبحت مراقبة للشؤون التعليمية لمدارس التربية الخاصة.
ومن الاجتهادات التي بذلتها التربية الكويتية لتطوير هذا الحقل التربوي المهم أنها أطلقت على مدارسه أسماء تدفع لمحاربة الفشل وتجديد الأمل وحب الحياة، مثل «معهد النور والأمل والرجاء»، وطورت مباني تلك المدارس لتتناسب مع ظروف الطلبة الصحية، فأقامت مجمعاً خاصاً لتلك المعاهد، أصبح معلماً حضارياً يحرص كل زائر للكويت على رؤيته، واستعانت بتكنولوجيا التعليم المتطورة وطرق التدريس الحديثة، التي تساعد الطلبة المعاقين على التعلم، وظلت المرحومة في ذلك الحقل حتى تقاعدت.
وكانت رحمها الله في حبها للعمل والإخلاص فيه، مثالاً لكثير من نساء الكويت الناجحات في عملهن والمخلصات، رحمك الله يا شقيقتي ونور عيني، كنت حريصة على المحافظة على تجمع الأسرة وترابطها، وتخشين عليها من التفكك، وتحرصين على أن يلتقي أفراد الأسرة في بيتك أسبوعيا، وتزورين كل مريض وتواسين كل محتاج.
نأمل أن يتكرر أمثالك في أسرتنا والأسرة الكويتية، وأن تلاقي ثواب ما عملت من خير عند خالقك الذي لا تضيع ودائعه، وهو القائل «إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ». (يس- 12)، فكل ما عمله الإنسان من خير وشر وتأثير تلك الأعمال في المستقبل محفوظة في اللوح المحفوظ.