استوقفني أحد المنشورات العلمية وتحديداً في مجال العلوم الطبية والتمريضية التي نشرت مؤخراً في دورية عالمية مرموقة ذات سمعة وصيت، إلا أن الأمر المثير للاهتمام هذه المرة لم يكن المحتوى ذاته، بل هو كتاب المنشور الذي كان عبارة عن «رسالة علمية» تحريرية مرسلة للدورية، شاطر المؤلف الأول من جامعة مانشستر الإنكليزية اسمه مع برنامج المحاكاة بالذكاء الاصطناعي Chatgpt وهو الأمر الذي رسم الابتسامة على محياي في بادئ الأمر، ومن ثم أثار لدي شعور الخوف إلى أبعد الحدود.

ولمن لا يعرف فإن برنامج Chatgpt هو برنامج محاكاة يعمل بالذكاء الاصطناعي ويكتسب لوحده مع مرور الأيام وكثرة طرح الأسئلة عليه والبحث عن الإجابات عدداً من المهارات والسمات الآدمية (ككتابة الأجوبة على شكل قصائد أو مسرحيات لويليام شكسبير) والتي تجعله أكثر «ذكاء» ولطافة كالإنسان مع قدرات منطقية وتحليلية مخيفة تدر على الشركة المصنعة له ذات المقر الأميركي Open AI مبالغ جمة، إذ تقدر قيمة هذا المنتج ما يفوق العشرين مليار دولار ويضعها بعض الاقتصاديين قرابة الثلاثين أيضاً كقيمة تقديرية في الأسواق.

Ad

عموماً وعوداً على ذي بدء، كون ذاك الباحث الإنكليزي قد قرر أن يشاطر تأليف ذاك المنشور مع البرنامج، فمن البدهي هنا أن نفترض أن البرنامج قد تم تشغيليه وقام بتعديل المنشور، بل ساهم حتى في كتابة محتواه، أي أنه (البرنامج) قد كتب معلومات جديدة من خلال الرد على بعض التساؤلات ليخزن الأجوبة من بعد الاطلاع على كم من المصادر المنشورة، وبهذا تتجسد خطورة المسألة لتصبح شيئاً من حبكات أفلام الخيال العلمي.

والسؤال هنا ومع مرور الأيام أظن أن الإجابة ستكون بالإثبات لا النفي، وأن تطور هذا البرنامج حتى يصبح شبه عقل مستقل بذاته، هل سيطرح البرنامج حلولاً للأزمات الاقتصادية، ويقوم بحسابات معقدة وتحليلاً للأسواق، ومن بعد ذلك سيعطي حلولاً واستراتيجيات للحروب؟ بل هل سيقوم بتوجيه للأحزاب السياسية وغيرها من الأمور التي لا تبشر بخير؟!

كانت التنبؤات فيما مضى من الأيام تحذر من ذهاب حقوق الإنسان بسبب تدخل الآلة في المجهود والعمل لكن القادم (أتصور) ينبئنا بأن الإنسان (بكامله) قد يتم الاستغناء عنه مقابل برنامج!! أمر مخيف حتماً، خصوصاً أن البرنامج يدار من قبل إنسان في النهاية.