كيف حال أخينا أبي يامن؟

- الحمد لله هو في تحسن، وفي وقت متأخر من مساء أمس تلقينا اتصالا من المستشفى يطمئننا أنه بخير.

- نسأل الله تعالى أن يشفيه شفاء لا يغادر سقما!
Ad


كان ذلك جزءا من الحديث الذي دار بيني وبين أهل بيت أخي الأستاذ خالد جميل الصدقة، حينما أردت أن أطمئن عليه قبل أن يفارقنا بساعات قليلة... لقد أحدثت هذه الكلمات في نفسي تفاؤلا كبيرا، لكن هذا التفاؤل، ولله الأمر، لم يدم طويلا، فكانت مصيبتنا بفقد أحد الغالين علي.

عندما افتتحت "الجريدة" أبوابها منذ ثلاثة عشر عاما كنت قد عرفته قبلها بفترة يسيرة، فرأيت فيه زميلاً محترما دمث الأخلاق واسع الاطلاع، وعندما عملنا تحت لوائها ازدادت علاقتنا متانة، ومودتنا رسوخا، فرأيت إنسانا نقي القلب طاهر النفس، لا يحمل غلاً لأحد.

كان اسما على مسمى، فقد كان خالد جميل الصدقة، جميل النفس ومن أي باب دخلت إلى شخصيته عند الكتابة عنه، فلن يجد التناقض إلى كلامك سبيلاً، فتحدث عنه كما شئت وكن على ثقة بأن روافد صفاته الجميلة ستصب كلها في خانة الإنسان الذي يمتلك عمق البساطة، أو بساطة العمق، كان عميقاً في نظرته للحياة إلى درجة جعلته ينظر إليها على أنها لا شيء، مهما طالت فستنتهي، لذا أفرغ قلبه من الحديث عن الآخرين والانشغال بالناس، واستأنس بكتبه وشعره وبحثه عن الحكمة في داخل نفسه قبل أن يبحث عنها في تجارب الآخرين وكتاباتهم.

عند انطلاق "الجريدة" عُهد إليه، لما عرف عنه وما كان لديه من التبحر في اللغة ورسوخ قدمه في شتى علومها، المساهمة باختيار أعضاء قسم التصحيح، فكان هذا التعمق هو الميزان الذي تم به اختيار زملائه من أعضاء القسم، فأسس قسما ناجحا... وعندما قررت "الجريدة" ضم قسمي التصحيح والدسك، تشرفت وقتئذ بأن أتولى رئاسة هذا القسم المشترك، وتم اختيار "أبويامن" نائبا لرئيس القسم.

كان أخونا الراحل شاعرا نادرا وباحثا متمكنا وقارئا نهما، ينثال الشعر على فمه انثيالا عجيبا، وما أكثر ما كان يستحضر أبياتا ويرتجل أخرى في مناسبات عديدة جمعتنا معا! أما عن كلماته وتعليقاته فكان إذا أورد تعليقا عفوَ الخاطر تعجبتَ من أي معين للعبقرية يأتيك به، إذ يأتيك على عجل بتعليق يبدو كأنه قد فكر فيه أياما وأسابيع!

سأفتقدك يا أخي وزميلي وصديقي، وسأفتقد عذوبتك وحديثك الأخاذ وحضورك الجميل، ولا أدري كيف سأدخل "الجريدة" وأنظر إلى مكتبك فارغا يبكي رحيلك المر... لكنها الحياة وقانونها الصارم الذي لا يستثني أحدا... فإن القلب ليحزن وإن العين لتدمع، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا "إنا لله وإنا إليه راجعون".