«الإعلان المشبوه»... لطمة على خد مؤسسات الدولة
• اخترق جهات رقابية وتنظيمية عديدة ووضع المستثمرين أمام مخاطر الاحتيال
• الدولة لم تستفد من دروس «النصب العقاري» في وضع آلية تطوق العمليات المالية محل الشبهات
مَثَّل الإعلان المشبوه لشركة تدعو المستثمرين للمشاركة في مشروع رعاية صحية غير مرخص نموذجاً لهشاشة المؤسسات في البلاد.
فرغم مرور نحو 10 سنوات على عمليات النصب العقاري التي خلّفت ضحايا بالآلاف من المواطنين والمقيمين، وكانت لها العديد من التداعيات القانونية والاستثمارية والاجتماعية والأمنية، ويُفترض أن تكون مؤسسات الدولة قد كوّنت قواعد مهنيّة في سد الثغرات الإجرائية، ووضع آلية تمنع أي دعوة للاستثمار غير المرخص من الجهات الرقابية حتى في وسائل التواصل، الصعبة الضبّط والتحكم، كانت المفاجأة أن الإعلان المشبوه ظهر في شوارع الكويت وطرقاتها، بعدما «اخترق» كل أنظمة الرقابة والتنظيم، بتقديمه دعوة استثمار غير مرخصة ذات عوائد تتجاوز كل العوائد المنطقية لأي استثمار، في تكرار لعمليات النصب المالي المعروفة عالمياً باسم «بونزي».
عوائد خيالية
وتعِد الشركة ذات الإعلان غير المرخص المستثمرين أو - الضحايا - بعوائد لا تقل عن 150 بالمئة لكل وحدة استثمار تبلغ قيمتها 10 آلاف دينار خلال السنة الأولى من الاستثمار في مشروع للرعاية الصحية خارج الكويت، شريطة أن تظل العقود بين الطرفين تحت حيازة الشركة، ولا يحصل المستثمر (أو الضحية) على أي نشرة تبيّن عمل المشروع المفترض، بل يطّلع عليها فقط داخل الشركة، من دون أن يأخذ نسخة له.
واللافت أن مقر الشركة المسوّقة للمشروع في مدينة الكويت هو ذاته مقر إحدى شركات النصب العقاري المعروفة التي نهبت أموال العديد من الضحايا قبل سنوات، مما يزيد الشكوك الكبيرة التي تكتنف طبيعة هذا الاستثمار الملغوم.
مؤسسات الدولة
ولا شك في أن نشر إعلان في شوارع الكويت عن فرصة استثمار مشبوه يمثّل إخفاقاً - كلياً أو جزئياً - للعديد من مؤسسات الدولة، فهيئة أسواق المال المعنيّة بمراقبة وترخيص أي دعوة استثمارية تطرح للجمهور لم تتحرك في وضع شركة الإعلان المشبوه ضمن «قائمة المواقع غير المرخّص لها بممارسة أنشطة الأوراق المالية في دولة الكويت»، ثم تقديم بلاغ للنائب العام ضد الشركة، إلّا بعد نشر «الجريدة» تفاصيل المخالفات والشبهات في عددها أمس الأول، إذ ظل الإعلان منتشراً لأيام من دون تحرُّك يُذكر!
أما الجهات الأخرى المعنيّة بسلامة النشاط التجاري، كوزارة التجارة والصناعة، أو المرتبطة بمتابعة مدى جودة الإعلانات التجارية، خصوصا التي تستهدف مصالح الناس وأموالهم، كبلدية الكويت أو وزارة الإعلام، فضلا عن الجهات الأخرى التي يُفترض أن تتحرّك نتيجة بلاغ جهات أخرى، أو بناء على تحرياتها كوزارة الداخلية أو وحدة التحريات المالية، فلم يكن لها أي دور في التعامل أو المتابعة الخاصة بالموضوع لحماية أي شخص محدود الثقافة المالية، يعتقد - على غير الحقيقة - أن وجود إعلان في الشارع لشركة ما يعدّ ترخيصا من الدولة بسلامة أنشطتها وقانونية أعمالها.
سوابق ودروس
وفي الحقيقة أن اختراق الإعلان المشبوه لكل الجهات التنظيمية والرقابية في البلاد يؤكد أمرين، أولهما أن هذه الجهات - وربما غيرها - لم تستفد من دروس سوابق نصب وتعاملات مالية مشبوهة هزّت البلاد، ولا تنحصر فقط في النصب العقاري، إنما ايضا في قضايا «ضيافة الداخلية» و«النائب البنغالي»، فهي إن اختلفت صورتها من حيث الشكل تعتبر كلها من حيث المضمون عمليات مشبوهة تتطلب مهنيّة عالية في مراقبتها وضبطها، وتعاونا قويا - يبدو أنه مفقود - من جهات الرقابة والتنظيم.
أمّا الأمر الثاني، فيتعلق بأن إهمال تعامُل المؤسسات وقصورها في تطويق قضايا النصب المالي يفتح الباب على الدولة بمطالبات تعويض - غير منطقية - يتبنّاها نواب في مجلس الأمة، كما حدث في قضايا النصب العقاري التي كانت الاقتراحات فيها تتأرجح قيمة تعويضاتها بين مليار و3 مليارات دينار، مما يُدخل مالية الدولة في مواجهة جديدة غالبا خاسرة مع المطالبات الشعبوية.
معالجة الخلل
وفي الحقيقة، فإن مسؤولية الدولة في مواجهة عمليات النصب العقاري أو المالي أو الصحي أو أي عملية مشبوهة تعرّض مدّخرات الأسر والمستثمرين للخطر هو ليس دفع الأموال كتعويضات للمتضررين، إنّما العمل بجدية عالية على اتخاذ إجراءات لتلافي تكرار أي عملية نصب مُحتملة عبر معالجة الخلل أو الثغرات التشريعية والإجرائية، لكن - مع الأسف - كان الإعلان المشبوه، وهو منتشر في شوارع الكويت كافة، نموذجا لسهولة اختراق المؤسسات الرقابية والتنظيمية، وهو أمر يجب مراجعته وإصلاحه من دون تباطؤ.