حسب دراسة أعدها المحامي طلال الشمري، فإن قانون المحكمة الدستورية الكويتي رقم 14 لسنة 1973 يتضمن نصاً غير دستوري ينال من مبدأ المساواة وحق الإنسان في التقاضي، وهو ما يناقض الأسس التي يقوم عليها بنيان القضاء الدستوري.

فقد فتحت المادة الرابعة مكرراً من القانون سالف البيان، طريق الطعن الدستوري الأصلي المباشر للناس كافة، وذلك من خلال منح الحق لكل شخص طبيعي أو اعتباري في أن يطعن بشكل أصلي مباشر أمام المحكمة الدستورية في أي قانون أو مرسوم بقانون أو لائحة يُشتبه في مخالفتها للدستور.

Ad

إلا أن ذات المادة، بعد أن اشترطت لقبول الطعن توافر المصلحة الشخصية المباشرة وجدية الشبهة الدستورية، وهما شرطان قانونيان لا إشكال فيهما، عادت واشترطت شرطين ظاهري الاعوجاج بالغي الشطط، يثقلان حق التقاضي ويجعلان كل طعن دستوري مباشر عسيراً من الناحيتين الإجرائية والمالية.

فمن الناحية الإجرائية، يشترط المشرع توقيع صحيفة الطعن المباشر من ثلاثة محامين مقبولين للمرافعة أمام المحكمة الدستورية، وإلا كان الطعن باطلاً لبطلان صحيفته.

ومؤدى هذا الشرط الإجرائي، هو تكليف الطاعن عناء البحث عن ثلاثة محامين مقيدين أمام «الدستورية» يثق بهم لتمثيله في الطعن الدستوري كوكلاء عنه وجوباً ولزوماً، وذلك بحسبان أن قضاء «الدستورية» الكويتية قد جرى على أن الطعن الدستوري ذا طبيعة خاصة تستوجب وجود وكالة خاصة تخول المحامي ممارسة حق الطعن الدستوري نيابة عن الموكل، وإلا كان الطعن غير مقبول.

فلا يجوز بحسب قضاء «الدستورية» أن يكون الطعن موقعاً من محامين على سبيل التطوع، بل يجب أن يكون المحامون وكلاء عن الطاعن شخصياً، وأن تتضمن هذه الوكالة نصاً خاصاً صريحاً يخول المحامين الثلاثة حق الطعن الدستوري المباشر نيابة عن الموكل، على اعتبار أنه لا يعتد في مجال الطعون الدستورية بالوكالة العامة التي تخول الوكيل حق رفع الدعاوى أمام المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها.

وهكذا، يكون لازماً على الطاعن -إن أراد ممارسة حق الطعن الدستوري المباشر- أن يختار ثلاثة محامين بدلاً من محامٍ واحد، وهو ما يستتبع بالضرورة تكليف الطاعن عناء دفع أتعابهم أيضاً.

وأما من الناحية المالية، فإن المشرع يوجب على الطاعن دفع كفالة مالية قدرها خمسة آلاف دينار كويتي، وإلا كان على إدارة الكتاب أن تمتنع عن قبول صحيفة طعنه.

على أن يكون معلوماً أن مجرد دفع الكفالة وقبول صحيفة الطعن من إدارة الكتاب لا يؤديان بالضرورة إلى قبول الطعن في غرفة المشورة، بل إن مصادرة مبلغ الكفالة هو الجزاء المقرر الذي يجازى به الطاعن إن كان طعنه لا يتصف بالجدية أو كانت المناعي التي يوجهها إلى النصوص القانونية المطعون فيها غير مؤسسة تأسيساً قانونياً يكون مقبولاً من وجهة نظر المستشارين الناظرين للطعن في غرفة المشورة.

وهكذا، وعلى ضوء الشرطين -الإجرائي والمالي- السابقين، يكون طريق الطعن الدستوري المباشر مفتوحاً ومتاحاً للمترفين والأغنياء، وموصداً في وجه أواسط الناس وفقرائهم، وهو ما يرتد بنا تاريخياً إلى حقبة القرون الوسطى التي كان للنبلاء ولرجال الدين فيها محاكم خاصة لا يَلِجُها غيرهم وسواهم.

ورغم أن قضاء الشرعية الدستورية المقارن قد جرى على أن الدساتير تكفل بطبيعتها للناس جميعاً حق التقاضي، فلا يجوز أن يتمايز الناس في مجال النفاذ إلى قاضيهم الطبيعي، سواء من خلال إنكار حق التقاضي مطلقاً أو عن طريق إحاطته بعوائق إجرائية ومالية تكون عبئاً عليهم حائلاً دون قدرتهم على اقتضاء الحقوق التي يدعونها ويقيمون الخصومة القضائية لطلبها.

ولا شك أن المشرع من خلال القيود الإجرائية والمالية التي فرضها قد انقلب على مبدأ مجانية التقاضي وأزهقه من خلال ربط ممارسة هذا الحق بالملاءة المالية للراغبين في سلوك طريق الطعن، فصار حقاً خالصاً للأغنياء حيث لا يستطيعه سواهم.

ويؤيد حقيقة ما سبق، أن آخر الإحصاءات والدراسات الصادرة عن الإدارة المركزية للإحصاء، قد دلت على أن معدل الأجر الشهري للكويتيين في القطاعين الحكومي والخاص هو ألف وأربعة مئة واثنان وثمانون ديناراً كويتياً، بينما يبلغ معدل الأجر الشهري بالنسبة لغير الكويتيين ثلاثمئة وسبعة وعشرين ديناراً كويتياً، وهو ما يعني بالضرورة، عجز الأكثرية من طبقة الموظفين الكويتيين وغير الكويتيين عن دفع أتعاب المحامين الثلاثة بالإضافة إلى سداد مبلغ الكفالة الباهظ مقدارها.

وهو الأمر الذي يؤكد سوء تقدير المشرع وعدم موضوعية القيود الإجرائية والمالية التي وضعها واشترطها لممارسة حق الطعن الدستوري المباشر، بحسبان أن موضوعية تقدير الرسوم والكفالات تقتضي مناسبتها للقدرة المالية لشرائح الناس كافة، خاصة لأواسط الناس وفقرائهم، فلا يكون تباين الناس في الثروة شرطاً من شروط ممارسة حق التقاضي الذي يفترض أن يكون هيناً على المقتدرين ومجانياً للفقراء والمعوزين.

ولا يزيل المثالب الدستورية سالفة البيان، الاحتجاج بإمكان إعفاء الطاعن من أتعاب المحامين الثلاثة طبقاً لنص المادة 26 من قانون المحاماة التي قررت إمكان انتداب محامٍ للدفاع عن الشخص الفقير مجاناً، وذلك لسببين اثنين:

أولهما، أن اشتراط توقيع ثلاثة محامين على صحيفة الطعن، هو شرط غير منطقي في ذاته، لأن زيادة أعداد المحامين الموقعين على صحيفة الطعن لا يضمن جدية الدفع الدستوري كما لا يدل على دقة التأسيس القانوني لصحيفة الطعن، بدليل أنه رغم وجود هذا الشرط رُفض 48 طعناً دستورياً مباشراً من أصل 53 طعناً منذ صدور القانون عام 2014م حتى عام 2022م.

كذلك، فإن زيادة أعداد المحامين الموقعين على صحيفة الطعن لا يدل على صواب أو صحة ما كُتب فيها، فقد يُصيب محامٍ واحد بينما يخطئ مئات من المحامين، فالكثرة ليست معياراً للصواب ولا يمكن أن تكون دليلاً عليه.

ثانيهما، أننا لو سلمنا جدلاً بمنطقية اشتراط توقيع المحامين الثلاثة على صحيفة الطعن مع إمكان إعفاء الطاعن من دفع أتعابهم،

إلا أن مبلغ الكفالة سيبقى عبئاً ثقيلاً لا يمكن الفكاك منه، بحسبان أن المشرع لم ينص على جواز الإعفاء منه مثلما يعفى الطاعن من دفع الكفالة في حالات الطعن أمام محكمة التمييز طبقاً لنص المادة 153 من قانون المرافعات وإعمالاً لنص المادة 14 من قانون الرسوم القضائية التي نصت على أنه يعفى من الرسوم القضائية كلها أو بعضها من يثبت عجزه عن دفعها.

وعلى ضوء الحقائق السالفة، أرى وجوب تدخل المشرع بتعديل القانون وإزالة العوائق الإجرائية والمالية التي لا منطق فيها ولا معنى لها، مع جعل مبلغ الكفالة المقررة للطعن الدستوري المباشر معقولاً ومناسباً لشرائح الناس كافة دون إغفال النص على جواز الإعفاء منها عند ثبوت عجز الطاعن مالياً عن دفعها.

خصوصاً أنه من المتعذر اللجوء إلى المحكمة الدستورية ذاتها، لإبطال نص المادة الرابعة مكرراً بناء على مثالبها الدستورية، لأن وصول الطعن إلى غرفة المشورة يستوجب قيام الطاعن بتوقيع صحيفة طعنه من ثلاثة محامين مع دفع مبلغ الكفالة، فإن هو فعل ذلك، فإن صنيعه هذا سيؤدي تلقائياً إلى عدم قبول طعنه في غرفة المشورة لزوال شرط المصلحة الشخصية المباشرة التي مناطها ثبوت إضرار النص المطعون فيه بالطاعن، مما يجعلنا أمام حالة من التناقض الإجرائي المانعة من إمكان إبطال النص المَعيب من خلال المحكمة الدستورية ذاتها.

فلا يبقى لنا سوى أن نلتمس من المشرع الذي أدخلنا داخل هذه المتاهة، أن يخرجنا منها.