الورقة البحثية التي قدَّمها فريق النيابة العامة برئاسة المحامي العام الأول في النيابة العامة، المستشار سلطان بوجروة، وعضوية وكيلَي النيابة مساعد الشمري ومشاري السالم، بشأن العدالة التصالحية في القضايا الجنائية بأحد المؤتمرات في المملكة الأردنية الهاشمية، قبل نحو شهر ونصف الشهر تقريباً، تستدعي من المشرِّع الكويتي مراجعة التشريعات الجنائية، وتحديداً قوانين الجزاء والإجراءات والمحاكمات الجزائية، بما يسهم في التوسع بإقرار التسويات والصلح في القضايا الجزائية بشكل عام.
والعديد من التشريعات المقارنة التي أقدمت على إقرار العدالة التصالحية، والتي باتت حاجة مُلحَّة، في ظل الارتقاع الكبير لأعداد القضايا الجزائية، وعدم القدرة على مواجهتها على نحو دقيق وبجودة عالية من التقاضي، أيقنت أهمية ومردود تلك القواعد المقررة للتسويات على المنظومة الإدارية للدولة بشكل عام، ومنظومة العدالة بشكل خاص.
ورغم إقرار المشرِّع الكويتي مبدأ التصالح الجنائي في بعض القواعد القانونية، فإنها غير كافية، ولا تمثّل الطموح المأمول للحد من فكرة التقاضي أمام المحاكم الجزائية، والتي تستدعي أن تكون على نحو أوسع وأشمل، بما يضمن حقوق الأفراد في التقاضي والمحاكمة العادلة، وبما لا يضرّ الدولة، ويوفّيها حقوقها المالية والقانونية.
وقد شهدت الأنظمة التي عمدت إلى تطبيق العدالة التصالحية توفيقاً لأوضاع المتقاضين في القضايا الجنائية بشكل عام، وتخفيفاً على المحاكم التي تتولّى نظر القضايا الجزائية التي تستحق العرض والبحث لها، بدلاً من إغراق منظومة العدالة كاملة بكل النزاعات، سواء كانت بسيطة أو جسيمة.
ومن بين القضايا التي يخصص لها إداريون وقضاة وقاعات بشكل يومي في محاكم الجنح، قضايا جنح المرور والبلدية والجوازات والشؤون وغيرها، في حين أن الدولة، ممثلة بالجهات الرسمية، قادرة على حسم تلك الأنزعة بواسطة التسويات والصلح دون عرضها على القضاء وجهات التحقيق، وفق أساليب قانونية تضمن تطبيقها على المتعاملين.
في الختام، يتعيَّن على المشرِّع الكويتي أن يبدأ سريعاً في مراجعة التشريعات الجنائية، بما يعكس إقرار القواعد المنظمة للصلح والتسويات الجنائية، وهو ما سينعكس بالتالي على منظومة التقاضي ككل بالنفع، ويسارع في اقتضاء الدولة لحقوقها المالية بدلاً من سقوطها بسبب انقضاء الدعاوى الجزائية بالتقادم.