• تحدثت عن هروبك من العراق إلى إيران وذكرتَ أن حكم الإعدام خُفض إلى المؤبد، ماذا حدث بعد ذلك؟

- القصة طويلة، فنحن هربنا، حفرنا نفقا، وأنا كنت مخططا للعملية في سجن الحلة بالعراق، ومعي ثلاثةٌ آخرون مازالوا موجودين، بدأنا بالفكرة، ولأنني أجيد الرسم صعدت إلى سطح السجن حتى نضع النفط في الخزانات، لبست ملابس السجن التي عادة لا نلبسها لكني لبستها لتكون حجة أن أصعد وأملأ خزانات الحمامات بالنفط، أنا لم أكن مسؤولا عن الحمامات في تلك الفترة، كنتُ مسؤولا عن السجناء في السجن، أراجع الدائرة وغيرها حيث انتُخبت في السجن نائبا عن السجناء كي نقدم مطالبنا التي نريدها وأتابع تنفيذها، وهذا الذي مكننا من عملية الحفر في السجن.

صعدت إلى سطح السجن، وأنا أعرف المنطقة لأنني عشت فترة في محافظة الحلة، كنت أشتغل في شركة أيام العهد الملكي، فأعرف أن السجن يقع بجانب كراج سيارات، ففكرنا أن يصير الحفر باتجاه الكراج، لأن فيه عددا كبيرا من الناس والسيارات، فالأمر أسهل. بدأنا بالحفر بكتمان شديد، كنا أربعة واخترنا أربعة آخرين للحفر، كنا نحفر داخل غرفة من غرف السجن وكنا نخبئ الحفرة.
Ad


كان الإشكال الأساسي أمامنا هو أين نذهب بكمية التراب التي نحفرها، خصوصا مع وجود تفتيش مرتين في اليوم في السجن.

• ماذا كانت آلة الحفر لديكم؟

- حسب تقديرات الحكومة بعد الهروب، هرب نحو 27 شخصا أعتقد، وأردنا أن نترك الحفرة للآخرين، لكن انكشف الأمر بعد هروبنا ولم يتمكن الآخرون من الهروب، وكتبتْ الدولة عن الخبر في صحفها في اليوم الثاني، وانتشر الخبر في بغداد بشكل فظيع عن هروب مجموعة من السجناء، تقديرات الدولة أن هذا الحفر احتاج إلى ثلاثة أشهر، وبأدوات حفر جيدة وبمساعدة من الخارج، والحقيقة لم يكن لدينا مساعدة من الخارج، حفرنا النفق خلال 37 أو 39 يوما ربما، والأدوات التي استخدمناها في الحفر حصلنا عليها بالحيلة.

كان أخي ووالدتي يأتيان لزيارتي في السجن أيام المواجهات، وكانا يعرفان مدير السجون فيأخذان موافقة لزيارتي بدون مواعيد، فطلبت من أخي أن يحضر لي اثنين من مفكات الكهرباء الكبيرة، وضَعَهما داخل دجاجة محشوة داخل الأرز وأحضرهما للسجن، وطبعا لم يتم تفتيش الدجاجة! فالحفر تم بهذين المفكين وسكين مطبخ صغير حصلنا عليه لأننا كنا نطبخ أكلنا، إذ يوميا يخرج خمسة أو ستة سجناء يطبخون للجميع، فقمنا بتهريب سكين، وتم الحفر بالمفكين والسكين، بخلاف تقديرات الحكومة، وحدثت ملابسات أثناء الحفر وقصص كثيرة، فقصة الحفر بحد ذاتها كأنها فيلم.

المهم كان على أساس كل مجموعة يقودها واحد إلى مكان، ناس للديوانية وناس إلى محافظة من المحافظات، أنا على أساس أذهب إلى بغداد، وفي آخر زيارة لوالدتي قلت لها إنني في اليوم الفلاني ربما أتصل بكم فأمّنوا لي مكانا، لم أخبرها عن حفر النفق كي لا يتسرب الخبر، ورغم أن والدتي كتومة لكن لعلها تتحدث بالأمر فرحا، فسألتني كيف سيحصل هذا؟ أخبرتها أني اتفقت مع أحد الشرطة لتهريبي، وفعلا عندما خرجنا وكلفنا كل شخص لقيادة مجموعة، وجدنا الجماعة ضائعين، السيارات قليلة وكل واحد حاول أن يخلص نفسه بنفسه بدون أن يقود المجموعة التي معه، كان لدينا قليل من المال أثناء المواجهات، فاجتمعنا نحو 12 أو 15 شخصا واستأجرنا حافلة، وكنا مزورين هويات جندية لنتجاوز حواجز الجندية، لكن الشخص الذي كانت الهويات بحوزته تركنا ونسي أن يوزع الهويات على الآخرين، فاستأجرنا الحافلة، وتحدثت مع السائق، وكان فلاحا، بلهجة جنوبية أجيد التكلم بها، قلت له عندنا ميت بالكاظمية ونسينا دفاترنا (هوياتنا)، فقال أنتم وحظكم بالحواجز، وفعلا صادفت ظروف اصطدام سيارة فنفذْنا ووصلنا بغداد، واتصلتُ بالبيت، ولم يكن خبر الهروب منتشرا وقتها لكني أخبرتهم عن مكان وجودي، جاءتني أمي وأختي حافيتين كي لا يشك بهما أحد، ترتديان عباءات صوف فلاحية، التقيت بهما على جسر بغداد، كانوا قد أمّنوا لي بيتا اختفيت فيه إلى أن غادرت إلى جنوب العراق. هناك كنا قد هيأنا حرب عصابات، وعشت في مناطق الريف العراقي والأهوار وجوانبها لمدة سنة تقريبا، ثم صار الانقلاب الجديد للسلطة الحالية، وطُرحت برامج وطنية للجبهة وكنا ضدها لمعرفتنا أنها لعبة وليست قضية جبهة وإنما قضية كشف القوى السياسية وضربها تباعا، وفعلا ضُرب الحزب الشيوعي بشكل علني.

كان الحزب آنذاك مقسوما إلى قسمين، نحن كنا قسما مع الكفاح المسلح، وتخطئة قرار تقسيم فلسطين، لأن بقية الأحزاب الشيوعية وافقت على قرار التقسيم، ظللنا فترة ولما ظهرت أطروحات الجبهة الوطنية سحبونا إلى بغداد وألقي القبض عليّ مرة ثانية، ودُعيت للقصر الجمهوري ودار حوار بيني وبين صدام حسين، حوار طويل كنت واضحا جدا خلاله، وعبر هذا اللقاء طلبتُ أن أغادر بغداد لطباعة ديواني (الريل وحمد) في بيروت كحجة للخروج لأني كنت ممنوعا من مغادرة العراق سواء في العهد الملكي أو أيام عبدالكريم قاسم وأيام عبدالرحمن عارف وعبدالسلام عارف وأيام البعثيين، وخلال عشر دقائق أحضروا لي جواز السفر وغادرت العراق نهاية سنة 1969 ولم أرجع بعدها.

حاليا أكثر استقراري في دمشق، وكنت أسكن في ليبيا فترة طويلة، عندي بيت في ليبيا ومكتبتي كلها هناك، والكم الأكبر من أوراقي مازال كله هناك، لي صديق يمر على البيت وينتبه على سلامته ويهتم بالأشياء الموجودة، والأمر محير بخصوص نقل حاجياتي، وهذه إحدى الاشكاليات في ذهني باستمرار، لأن الإنسان إذا مكتبته وأوراقه ليسوا معه، بل موزعة في أماكن عديدة، يتسبب في مشكلة، وقد تضيع الحاجات، وشحن الكتب والأوراق تحتاج إلى موافقة من ليبيا ودمشق، ومن الممكن أن يتساهل الطرفان في إدخال الحاجات لكن الأمر يتطلب بيتا واسعا، أما سكني الحالي فهو بالايجار، وأهلي يزورونني في الصيف بأعداد كبيرة، فلابد من تأمين بيت كبير للأغراض وعدم تركه لأحد آخر يتابعه.

• بأي الأجيال يؤمن مظفر النواب أن تتحقق معهم العدالة والسلام في الوطن العربي؟

- والله يحتاج إلى زمن، ومن الصعب أن نقول في أي جيل لكن الأمر يحتاج زمنا، لأن التخريب الذي صار ليس قليلا، خذي مجتمعا كالمجتمع العراقي، خُرّب بشكل هائل ومخيف، من الممكن أن تتغير الأوضاع غدا، لكن تغيير ما حدث للناس هو الأصعب. لكني متفائل لأن طبيعتي هي التفاؤل، فقد لا تبدو في الأفق بارقة لكني متفائل، حتى أثناء وجودي في السجن كتبتُ مرة للشاعر بلند الحيدري أنه ما عاد هناك أضواء إلا الضوء الضئيل الذي بداخل القلب.

• ما هي الأجواء التي تعيشها أثناء الكتابة؟

- لا يوجد جو محدد لكني عادة ما أفضل الكتابات التي أكتبها إذا نمت مبكرا، أستيقظ في الخامسة صباحا وهذا أفضل وقت للكتابة لأنه يتميز بالهدوء التام وعدم وجود مشاغل كالمواعيد وغيرها، ولكن عموما كل الأوقات ممكن أن أكتب بها، فالشاعر بإمكانه أن يحوِّط نفسه بعزلة حتى وهو في داخل السوق أو الحافلة، ويدخل بالعالم الذي يرغبه، يبدأ يستقبل الصور، هناك استقبال للصور وهذه ظاهرة مُحيِّرة للشعر، سُئل بيتهوفن ذات مرة عن كيفية استحضار الأنغام لديه؟ فقال أنا لا أستحضرها بل هي تأتيني، وهذا حقيقي، لي قصيدة أقول فيها (للحرف علاقات بالنبأ الأعلى، فالميم المكرورة في المشمش مشمشتان ببستان أزلي، وأحس تثاؤب حرف الميم بنام الطفل)، وكأن دائرة الميم فيها تثاؤب.

وأحيانا تأتي الصورة على شكل قراءة للمستقبل، من الصعب تسميتها نبوءة، وإنما قراءة للمستقبل، مثلا لما كان عبدالسلام عارف يحكم العراق كنت في السجن في الصحراء، وكنا نقيم أمسيات، طُلب مني أن أشارك في أمسية، فكتبتُ قصيدة بها لازمة كانت تلح عليّ وأكررها وأقصد بها عبدالسلام عارف، أقول فيها (سيُذبح الثور على أبواب بغداد ويُشوى حرن الثور) وفعلا احترق عبدالسلام عارف في الطائرة وشُوِي، جاءتني هذه الصورة قبل حادثة الطائرة بأكثر من سنتين.

وعندي قصائد أخرى أيضا أستغرب عندما أقرؤها وأتساءل: هل من المعقول أنني أنا الذي كتبتها؟ ففي إحدى المرات قرأ علي ضرغام ابن أخي مقطعا شعريا فسألته لمن هذا الشعر؟ وكان لي! وأحيانا كما في بداية الوتريات الليلية «في تلك الساعة من شهوات الليل»، لما أرجع لقراءتها أقول لو أني في كل وعيي حاولت أن أجمع هذه القصيدة لما استطعت كتابة هذه القصيدة ولا أدري كيف جاءتني هذه الصور الغريبة.

الشاعر قد يعزل نفسه، لكن العزلة وحدها لا تكفيه، لابد أن يستقبل، يصبح مثل الرادار يستقبل أشياء غريبة جدا، الذهن أو اللاوعي عندي هو الذي يرتبها، وهنا يأتي التطور. التطور عملية تتم باللاوعي أولا، التطور الذي يتم بالوعي التام يكون محدودا وهذا غريب، لكني أعتقد أن التطور أساسا يتم باللاوعي، ولذلك أنا لست مع المدرسة النقدية التي تقول إن الشعر أو المقالة أو غيرهما هو عبارة عن طاولة وورقة وقلم، أنا ضد هذا. عادة ما تأتي دفقات، أو تأتي موجة، هزة، قشعريرة، وتمشي، فبناء القصيدة ونهايتها يتحددان من البداية بشكل غير واعٍ، ولذلك بعض البدايات عندما أبدأ بها وأشعر بعدم وجود أفق للكتابة، أو أنني تحايلت فكتبتها، عندها أمزق الورقة.

• قصيدتك بخصوص ناجي العلي «مرثية لأنهار من الحبر الجميل» لماذا كتبت عن ناجي العلي تحديدا رغم كثرة الشخصيات التي يتم اغتيالها؟

-ناجي العلي لديه نضاله ومقاومته ورسوم كاريكاتير، كونه فنانا، وأن تبدأ تصفيات للفنانين ستصبح الأمة في كارثة، لأن من أهم مقومات الأمة، إلى جانب اللغة، هو الفن، وهو عامل مشترك وأساسي في بناء أي أمة من الأمم. مقولة «أعطني مسرحا أعطك شعبا» ليست اعتباطية.

والشيء الآخر أن لدينا العديد من الشهداء، أي شهيد يستشهد اليوم في الأرض المحتلة يستحق قصيدة، وهي قليلة بحق من قدم دمه وحياته، لكن مع كثرة المشاغل والهموم اليومية وقلة الوقت لا يمكن الكتابة لكل شهيد، لكني ألتقط ما يمكن التقاطه ثم تأتي البقية ضمن الاطار العام، فعندما نحكي قصيدة عن الطفل محمد الدرة، فكل أطفال فلسطين هم محمد الدرة، وهذا هو السبب الحقيقي للكتابة عن ناجي العلي تحديدا، مع العلم أني لم ألتقِ به إطلاقا، والظروف لم تجمعنا وإن كان هذا مدعاة للفخر. • كثيرا ما تتكلم عن الوحدة في مقابلاتك وقصائدك، متى لا تشعر بالوحدة؟

- هناك وحدة أحتاجها أحيانا، فبالإضافة إلى ظروفنا، وكأي فنان لديه شعور بالوحدة باستمرار مهما تكن لديه علاقات وصداقات، هناك شيء لا يسده إلا الفن أو الكتابة، فخلال الكتابة لا أشعر بالوحدة إطلاقا، أشعر أنني في العالم الذي أريده وأصنعه بنفسي، فالإنسان عندما يبدأ عملية الإبداع والخَلْق الفني تصبح هذه المهمة هي المنقذ الأساسي من الشعور بالوحدة، والإنسان عموما كائن متوحد سواء كان فنانا أو غير فنان، فمثلا الرسوم الفرعونية على الجدران والآثار الآشورية والسومرية لا يتركون فراغا على الحوائط اطلاقا، بل يرسمون الزهور والنباتات والحيوانات خوفا من الوحدة أيضا لأنهم يصنعون عالَما ويخلقونه.

عملية خلق الانسان جاء فيها هل أن الله رب العالمين خلق البشر للخلاص من الوحدة وإحساسه بذاته ووحدانيته؟ ربما ذلك لأن الله قال «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون»، العبادة هي المحبة أكثر من كونها صلاة وصياما وطقوسا تُؤدّى، هذه الطقوس الهدف منها هو الوصول إلى الاتصال أو إلى العلاقة.

والمسيح عليه السلام يقول: إذا كان لديك مئة خروف وضاع خروف واحد، فهل تترك المئة وتبحث عن الخروف الضائع؟ هذه رؤية نبوئية بأن الله يبحث عن الضال أيضا، فالمئة خروف يتركها لأنها تمشي على هدى، لكن الواحد ضال، كالفنانين تماما! وللعلم الذي يكون لديه علاقة من هذا النوع لا يمكن أن يكون ملحدا إطلاقا.

أنا حفظت القرآن في طفولتي، ويتضح كثيرا في كتاباتي، مثلا قصيدة (أيها القبطان) أقول فيها (وكثيرا هيّمتني ألم نشرح والضحى، يا أخت هارون ولا أمك قد كانت بغيا، زكريا وسليمان بن خاطر كان صديقا نبيا وإماما) واضح فيها استفادتي من قراءة القرآن الذي ختمناه ونحن صغار قبل المدرسة، وقد كان هذا النهج العام للدراسة في مجتمعاتنا من خلال الكُتّاب أو الملا كما نسميه بالعراق، إذ بَنَت ركائز وقواعد أساسية مهمة، كنت أذهب إلى كُتّاب امرأة، هي التي علمتني القرآن وحفظتني إياه، الملا نوفة، أتذكر كان بيدها عود تتتبع به قراءتنا، وتطلب منا غسيل مواعينها وصحونها وتشغّلنا عندها، وفي إحدى المرات لم أكن أحفظ فعوقبتُ بالفلقة، ضربتني على رجلي وذهبت إلى البيت أبكي. • هل استأذنك المطربون الذين غنوا بعض قصائدك؟

- لا لا، يغنونها بدون لقائي ولا استئذاني، لكن سعدون جابر، بيني وبينه قصة طويلة إذ زارني عن طريق صديق لي، وأنا في الحقيقة خجول بطبيعتي وإذا طُلب مني شيء أفعله. قلت له إن عندي شرطين لغناء قصائدي: الأول أن أسمع اللحن قبل تسجيله، والثاني عدم حذف أي مفردة إلا بإذني، أسْمَعني اللحن عن طريق الهاتف ورفضت ذلك، إذ لا يمكن تقييم اللحن عبر الهاتف، وكان اللحن سريعا لا علاقة له بكلمات الأغنية، كما تم حذف المقطع الأخير الذي تُـقــرأ القصيدة كلها من أجل الوصول إلى نهايتها، فالحقيقة استأت كثيرا وتكلمت في الصحف واعتذر سعدون، فالآن عندي مشكلة في مسألة غناء قصائدي لأن اللحن أحيانا يسيء إلى القصيدة، ويرتبط بذهن المستمع دائما.

• كيف تنظر للعولمة؟

- والله انتقال المعلومات ضرورة اليوم، لكن المفاتيح الأساسية بيد أميركا، حتى قنوات الإنترنت والوسائل المهمة لسرعة نقل المعلومات، لم يعد من الممكن للسلطات أن تحجب شيئا، كل شيء صار مفضوحا ومتوافرا، ومع ذلك يُسمح بكم من المعلومات وليس كلها أن تتسرب أو تصل إلينا، ثم يتم تسخير الصحون الفضائية لأهداف معينة، ففي تركيا مثلا تُسخّر 15 محطة للدعارة، وفي إيطاليا محطات موجهة للشمال الإفريقي العربي، لأن الناس هناك يعانون الحرمان والكبت الجنسي فيشغلونهم حتى ساعات متأخرة من الليل بحيث لا يستطيع الإنسان الذهاب للعمل مبكرا في الصباح.

العولمة إذا كانت محاولة للهيمنة الأميركية فهي الشيطان بالضبط، لكن العولمة بمعنى وصول المعلومات هي ضرورة، فيها جانبان يعتمدان على وعينا، وبما أن الوعي يُحجب فسوف نستقبل ما هو سيئ بالعولمة.

• هل لديك قصيدة مُفضلة؟

- عندما أكتب آخر قصيدة (أتونّس) بها أكثر شيء، وعندما تنتهي وتصبح بعيدة أظل أفرح بها لكن ليس بمقدار القصيدة التي أكتبها في اللحظة نفسه.

الفراغ الروحي لدى أبناء الغرب لا يراه شباب الشرق

يرى مظفر أن النصائح غير مجدية كثيرا، «لأن لدينا سيلا من الإعلام العربي السيئ الذي في حقيقته يضيّع هذه الأجيال أكثر مما يخدمها، وأقول الإعلام العربي لا الغربي، لأنه ليس كل الأجيال تفهم الانكليزية والألمانية، لكن ما يسمعه الجيل باللغة العربية هو المهم، فمثلا الأغنية اليوم هابطة جدا، وترسخ في وجدان وآذان الناس لاحتوائها على نغم ولحن وتوزيع وآلات موسيقية، والجيل اليوم لا يطيق سماع محمد عبدالوهاب وأم كلثوم أو أي أغنية رصينة، لكن يستمعون إلى (السح الدح انبو) و (العتبة جزاز والسلم نايلو في نايلو) و (ماشربش الشاي أشرب أزوزة).

ويضيف النواب: أنا عشت في الغرب، وأعتقد مجرد ما يعيش الشباب في الغرب، سيكتشف الفراغ الروحي لدى المجتمعات الغربية، هناك فراغ روحي غريب يؤدي بالغرب للبوذية والطقوس الهندية لملء الفراغ الروحي، ومتطلبات الجسد وحدها لا تكفي، فالغربي سد حاجته الجنسية دون الروحية، متابعا: «عندما كنت في فرنسا قرأت ريبورتاج في إحدى الصحف الفرنسية مع مئة امرأة، تُسأل كل واحدة (هل أحببتِ؟)، 99 منهن لم تعرف الإجابة».

ويروي أنه كان يسكن في فرنسا «ومقابل بيتي زقاق ضيق، وأرى جاري من شباك المطبخ، يعيش وحده بعد وفاة زوجته، وأبناؤه لا يزورونه ونعلم أنه وحيد، وفي إحدى المرات دعوتُ أساتذتي الذين درسوني الفرنسية وزملائي وزميلاتي في المعهد، دعوتهم إلى بيتي وطبخت لهم بيديّ، أنا طباخ جيد بالمناسبة، التقيت جاري في الطريق فدعوته معهم، ورحّب بالدعوة لكنه لم يأت، فسألت عنه جارتي التونسية المتزوجة من فرنسي، فقالت إنه من قلة العقل دعوة مثل هذا لأنه يعتقد إما أنكم تريدون سرقته، أو قتله، بمعنى أنه خائف من العلاقات الإنسانية».

ويستطرد: أتذكر في سنة من السنوات في تشيكوسلوفاكيا، زرت رساما مهما جدا لكنه مدمن على الخمر، رأيت عنده لوحة طويلة، عندما تنظرين إليها ترين كأس ماء فيها غصن، وعليها زهور بيضاء متفتحة، تجذب العين رأسا بحيث لا ترين بقية اللوحة ذات الجوانب المعتمة، عند التفرس باللوحة تجدين مخلوقين، امرأة ورجل، على جهتي الغصن، وترين في أعينهما كأن كل واحد يريد أن يقدم للآخر غصن الزهر لكن أيديهم الأربعة مقصوصة، بمعنى انعدام التواصل رغم الرغبة الداخلية، بسبب التشوه الحضاري الحاصل اليوم.

ورأى أن الأجيال الشابة عندما تحتك أكثر بالعالم قد تفهم هذه الظاهرة بشكل أكبر، والشيء الجيد الآن بعد الانتفاضة في الأرض المحتلة أن هناك يقظة في صفوف الشباب، وليس مجرد اللهو والعبث وإنما هناك تحديات حقيقية، وهناك شيء يغلي بداخل المجتمعات العربية الآن، ومن المحتمل أن ينتج منه شيء، وإن كان بصعوبة، وسوف تتم مقاومته بحدة، وبأشكال عديدة من حيل وألاعيب السلطات كي تلهي الشباب، لكن ثمة شيئا ينمو.