الصراع مع الدستور أم عليه؟
بعد مضي أكثر من ستة عقود على الحياة البرلمانية ما زال تباين الآراء حول مقدرة الدستور الكويتي على الاستمرارية في تنظيم العلاقة السياسية بين السلطات وكفاءته في مواكبته للتطورات التي تشهدها الساحة المحلية والإقليمية والدولية مستمراً.
لو رجعنا إلى النقاشات والمحاضر التي سبقت عرض الدستور بصورته النهائية على سمو الأمير الشيخ عبدالله السالم الصباح، طيب الله ثراه، لعرفنا حجم الرفض والمعارضة للكثير من النصوص الدستورية، ولولا حرص ووطنية أبو الدستور بالمضي قدما لإنجازه وإيمانه بضرورة إشراك المواطنين في شؤون الحكم، ولقراءته الثاقبة للتحولات التي مرت بها المنطقة العربية والإقليم، وتراجع الدور البريطاني كقوة يمكن الاعتماد عليها لما تم إقراره، وهذا ما حدث فعلا بعد الهيمنة الأميركية على الشرق الأوسط.
بالمناسبة وتأكيداً على دور الشيخ عبدالله السالم، طيب الله ثراه، عندما عرض عليه الدستور بصورته النهائية أمر أبناء الأسرة الحاكمة الأعضاء لأنهم موجودون كوزراء في المجلس التأسيسي بأن يمتنعوا عن التصويت على أي مادة من مواد الدستور، وترك ذلك لأعضاء المجلس المنتخبين لإعطائه الصفة الشعبية، وقد تم ذلك.
هذه الروح الوطنية التي صاحبت إقرار الدستور ستظل حاضرة وباقية في وجدان أبناء الوطن.
منذ المجلس المبطل الأول والساحة السياسية تشهد العديد من التصرفات والاجتهادات ومن كلا الطرفين الحكومي والنيابي التي أضرت بالدستور الكويتي، وأدت إلى تعطيل الحياة السياسية ومصالح المواطنين، حتى أصبحنا أمام مشاهد مليئة بالمفارقات التي تحكمها الأهواء والمصالح.
للتاريخ كلمته وللدستور رجاله وللتذكير ولمن يريد أن يعرف قيمة الدستور والثقة المتبادلة بين الحاكم والمحكوم وإلى الكلمات الخالدة التي كتبها أبو الدستور عند تصديقه على النسخ الثلاث التي عرضت عليه وخطت باليد ووقع عليها بقلم ماركة بيك.
(بسم الله الرحمن الرحيم
نحن عبد الله السالم الصباح.. أمير دولة الكويت
رغبه في استكمال أسباب الحكم الديموقراطي لوطننا العزيز وإيماناً بدور هذا الوطن في ركب القومية العربية وخدمة السلام العالمي والحضارة الإنسانية، وسعياً لمستقبل أفضل ينعم فيه الوطن بمزيد من الرفاهية والمكانة الدولية، ويفيء على المواطنين مزيداً كذلك من الحرية السياسية والمساواة والعدالة الاجتماعية ويرسي دعائم ما جبلت عليه النفس العربية من اعتزاز بكرامة الفرد وحرص على صالح المجموع وشورى في الحكم مع الحفاظ على وحدة الوطن واستقراره).
يا للأسف صراع اليوم يا ليته بسبب مواجهة الفساد والقضاء على دولته، لكنه صراع على المناصب ومن الأجدر بها، حتى أن تلك العدوى وصلت إلى منصب رئيس مجلس الأمة الذي صار للمقارنة بين الأسماء بدلا من قياس كفاءة الرئيس وقدرته على الانتصار للدستور والتزامه باللائحة الداخلية.
بالمناسبة هذا القلم الذي استخدم في التوقيع على مسودة الدستور النهائية أعلن ولادة الدستور واللحظة التي جعلت من الكويت منارة للحرية والمشاركة الشعبية، لذلك مجرد التفكير في إجراء أي تعديل في ظل هذه الأجواء يعد بمنزلة خطيئة قد تؤدي إلى نسف كل أنواع المشاركة الشعبية في التشريع والرقابة.
ودمتم سالمين.