كيف تخدم التكنولوجيا الرقمية العمل القانوني؟
لقد أصبح استخدام التكنولوجيا الرقمية في المجال القانوني أمراً جوهرياً وضرورياً، حيث يتزايد اعتماد مكاتب المحاماة والعاملين في المجال القانوني على التقنيات الحاسوبية بما يتماشى مع أنماط ومستويات استخداماتها في غير مجالات وعلوم وتطبيقات.
يعرف المتخصصون ثلاثة مستويات من التكنولوجيا هي: التكنولوجيا المادية، والتكنولوجيا البرمجية، والتكنولوجيا الذكية، حيث تركز «التكنولوجيا المادية» على المنتجات والأجهزة التي تستخدمها لتلبية الاحتياجات البشرية، مثل الأجهزة والحواسيب والهواتف الذكية، في حين تتعلق «التكنولوجيا البرمجية» بالأنظمة التي تعمل على تشغيل الأجهزة والمنتجات، ويشمل ذلك البرمجيات المختلفة مثل نظام التشغيل وتطبيقات الويب والتطبيقات المحمولة والذكية، ليتطور الأمر إلى «التكنولوجيا الذكية» وتتعلق بالأنظمة والتقنيات ذاتية التحكم وتستجيب بشكل ذكي للبيانات التي تجمعها من مختلف المصادر، ويشمل ذلك الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي والشبكات العصبية والروبوتات والأنظمة الذكية المتصلة بالإنترنت.
الواقع أن كل مستوى من مستويات التكنولوجيا الرقمية يعزز المستوى الذي يليه، حيث يتيح المستوى الأساسي إنشاء الأساس اللازم للمستوى التالي، والمستوى الوسيط يتيح ترابط العالم الرقمي بالعالم الفعلي، والمستوى الذكي يوفر الحلول الذكية للعديد من المشاكل والتحديات التي تواجهنا في الحياة اليومية.
من خلال استخدام المستويات الثلاثة للتكنولوجيا الرقمية في العمل القانوني تعرّف القانونيون على مصطلحين رئيسين في هذا المجال هما: التكنولوجيا القانونية (LegalTech) وتكنولوجيا القانون (LawTech)، حيث يشير المصطلح الأول الى التقنيات المستخدمة في مجال العمل القانوني لتحسين الأداء وتقديم الخدمات القانونية بشكل أسرع وأكثر كفاءة، كتطبيقات إدارة الملفات القانونية، أنظمة إدارة المعاملات، وبرامج الأرشفة الإلكترونية، في حين تعني «تكنولوجيا القانون» استخدام التكنولوجيا لتغيير طريقة تقديم الخدمات القانونية وتعزيز المنافسة في سوق الخدمات القانونية، ويدخل في ذلك استخدام الذكاء الاصطناعي والاستفادة من الآلة في تحليل الوقائع والنصوص القانونية لتحديد الاتجاهات والمخاطر المحتملة واتخاذ القرارات المناسبة.
في محاولة لتبويب الخدمات التي تقدمها التكنولوجيا الرقمية في المجال القانوني يبرز على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:
• الإدارة الإلكترونية وأرشفة الملفات: إن استخدام برامج متخصصة في هذا الشأن Document Management Systems يتم بإدارة وتخزين الوثائق والملفات القانونية وتصنيفها وفهرستها وأرشفتها، بما يسهل وينظم عملية المحافظة عليها واسترجاعها بشكل سريع وفعال للاطلاع على محتواها.
• البحث القانوني: حيث يمكن استخدام محركات البحث الإلكترونية وقواعد البيانات القانونية لتسهيل الوصول إلى المعلومات والنصوص القانونية وتحليلها، وكذلك لتوفير النصائح القانونية والاجتهادات القضائية والكتابات المفيدة والحديثة.
• التحليل التوقعي: بحيث يمكن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي Machine Learning في المجال القانوني، وذلك لتحليل البيانات القانونية وتوقع النتائج المحتملة للمسائل المطروحة، وكذلك لتحديد أفضل استراتيجية للدفاع عن قضايا معينة.
• تكنولوجيا الروبوتات القانونية: ويمكن الابتكار في المفاهيم والمجالات القانونية التقليدية، ومن أبرز الأمثلة على ذلك ما يعرف بالـ«العقود الذكية» Smart Contracts وهي برمجيات «ذاتية التنفيذ» تعمل على تنفيذ شروط وإجراءات محددة بشكل آلي، وتعتمد على تقنية سلسلة الكتل Blockchain التي لا يمكن تغييرها أو التلاعب بها بعد الاتفاق عليها، وذلك لتأمين التنفيذ الآمن والشفاف للصفقات المبرمة.
• المساهمة في عملية التطوير التشريعي: ويمكن استخدام التقنيات الإلكترونية لتسهيل عملية إنشاء وتعديل وتحديث القوانين واللوائح والمراسيم والأنظمة القانونية المختلفة.
• التقاضي، والتسوية، والتحكيم بالوسائل الإلكترونية: وذلك من خلال استخدام تطبيقات الويب والبرمجيات الخاصة بإدارة النزاعات والتحكيم الإلكتروني لتسهيل التواصل مع أطراف النزاع والزملاء والقضاة، وتيسير عمليات التسوية الودية والتحكيم، وتسريع الإجراءات القانونية وتقليل التكاليف والأخطاء وتفادي التباين في المعلومات.
• الترجمة القانونية والتدقيق اللغوي: وتستخدم التقنيات الرقمية بشكل واسع في مجال الترجمة القانونية كونها تساعد في تحسين جودة الترجمة وتسريع العملية بشكل كبير، الى جانب ذلك يتزايد الاعتماد على برامج التدقيق اللغوي للتأكد من دقة الترجمة وعدم وجود أخطاء إملائية أو نحوية أو أي أخطاء أخرى في الترجمة.
• التحقق من الهوية الرقمية: ويمكن استخدام التكنولوجيا في التحقق من الهوية الرقمية للأفراد المتعاملين في الأنشطة القانونية المختلفة، وذلك لتوفير الأمان والحماية لجميع الأطراف.
• المحافظة على حقوق الملكية الفكرية: وذلك من خلال استخدام البرمجيات الخاصة بالكشف عن انتهاكات الملكية الفكرية والتحقق من الأدلة المتعلقة بذلك.
• الإدارة المالية والمحاسبية: حيث تستخدم البرمجيات المحاسبية والإدارية والمالية الخاصة بالمؤسسات والمكاتب القانونية لتحسين إدارة الأموال والتحكم في العائدات والمصاريف.
• التواصل والتعاون: يمكن استخدام تطبيقات التعاون الإلكتروني والحوسبة السحابية والبرامج الخاصة بالعمل الجماعي لتحسين عملية الوصول الى المعلومة والتعاون بين المحامين والمستشارين القانونيين والعملاء والشركاء وبخاصة إذا اختلف الموقع الجغرافي للمعنيين.
• التدريب والتعليم: ويمكن استخدام التقنيات التعليمية المتقدمة لتدريب المحامين والمستشارين القانونيين على استخدام الأدوات التكنولوجية المختلفة والتقنيات الحديثة، وذلك لتحسين مهاراتهم وزيادة قدراتهم في تقديم الخدمات القانونية.
• التكامل مع الأنظمة الحكومية: ويمكن الربط بين مكاتب المحاماة والأنظمة الحكومية المختلفة مثل الهيئات القضائية والجهات الحكومية الأخرى، وذلك لتسهيل عملية التعامل معها وتحسين جودة الخدمة المقدمة للعملاء.
• خدمة العملاء: بحيث تستخدم التقنيات المختلفة مثل الدردشة الحية والبريد الإلكتروني والتطبيقات الخاصة بالهواتف الذكية لبناء شبكة علاقات عابرة للحدود وللتواصل مع العملاء وتقديم الاستشارة القانونية لهم بسهولة وفاعلية، بهدف تحسين جودة الخدمة وزيادة رضا المستفيدين منها.
تبقى الإشارة الى أن استخدام التكنولوجيا الرقمية في المجال القانوني لا يزيل الحاجة إلى الخبراء البشريين، وإنما يعمل على تحسين أدائهم وتوفير الوقت والجهد والتكاليف، فالعمل القانوني كأي عمل تخصصي لا يزال بحاجة إلى المهارات الإنسانية والفكر البشري والمعرفة القانونية اللازمة لتحليل البيانات واتخاذ القرارات المهنية وتقديم الاستشارات القانونية والتوصيات للعملاء، ولكن استخدام التكنولوجيا الرقمية من شأنه أن يسهم في تسريع الخدمة وجودتها.
* كاتب ومستشار قانوني.