لا شك أن ما ذكره الرئيس السعدون في مؤتمرة الصحافي هو الأصح والأجدر بالاتباع، فلا يجوز عقد الجلسات دون حضور الحكومة، وقد بينت هذا في أكثر من مقال سابق، وذكرت أن هذا هو رأي كثير من الأساتذة الدستوريين، وأنه عُرفٌ سار عليه المجلس منذ تأسيسه، وأن وقف الاجتماعات عبارة عن أزمة يجب أن يتدخل الرئيسان لحلها أو يرفع الأمر إلى صاحب السمو الأمير، وليت الرئيس صرح برأيه هذا أثناء المجلس الماضي لأن ما فُهم من تصريحاته السابقة هو عكس هذا الرأي، حيث قام بعض الأعضاء بالتصعيد حتى وصل إلى الاعتصام في المجلس، إلا أن هؤلاء الأعضاء لم يكن تصرفهم في مجلس اليوم بالحدة نفسها والهجوم ذاته الذي مارسوه في المجلس الماضي.
ومثل هذا التغير في المواقف يظهر أيضاً عندما قام الرئيس بمنع تصوير أوراق الانتخاب، وكذلك منعه التصويت العلني في انتخاب مكتب المجلس رغم أنها من المواقف التي اتفقت عليها المعارضة في المجلس الماضي وجعلتها عنواناً للوطنية وطعنت في من يخالفها، وكنت قد كتبت وقتها في هذه الزاوية أنها مخالفات واضحة للدستور واللائحة، وأنه لا يجوز إضفاء ألقاب الوطنية والبطولة على مخالفات تمت بالجملة للدستور واللائحة مهما كانت الدوافع، واليوم تقبل هؤلاء النواب توجيهات الرئيس هذه المرة أيضاً ولم يقيموا الدنيا ولم يقعدوها كما كانوا يفعلون من قبل.
وكل هذا يذكرنا أيضاً بموقف بعض الجماعات السياسية والنواب الذين حملوا حملة ظالمة على من شارك في انتخابات الصوت الواحد، وكيف شنعوا عليهم وأساؤوا إليهم، وها هم اليوم يخوضون الانتخابات ويدخلون المجلس بالصوت الواحد باجتهادات وتبريرات مكررة بعد أن رفضوا اجتهادات غيرهم.
كما تذكرنا هذه المواقف أيضاً بكثير من التصريحات التي صدع بها بعض الأعضاء أيام الانتخابات وفي المجلس الماضي، ثم تغيرت بعد الوصول إلى المجلس الحالي مثل رفضهم للمعاشات الاستثنائية ثم قاموا باستلامها أو بتبريرها، وقاموا أيضاً بتأجيل التصويت على إلغاء المادة 80 من قانون التأمينات، ومثل حديثهم عن الفساد ثم قاموا بتأجيل قوانين مكافحة الفساد التي بينتها في المقال السابق، ومثل تصريح بعضهم بالهجوم على الواسطة والمحسوبية ثم تبين ممارستهم لها بالأوراق الثابتة التي تم نشرها، وكذلك سكوت بعضهم بعد العضوية على الادعاء السابق أن مبالغ خيالية تصرف لأعضاء مجلس إدارة التأمينات وأخرى يحولها الوزراء إلى حساباتهم الخاصة، وهكذا يتبين أن كثيراً من تصريحات ومواقف النواب قد تغيرت في فترة وجيزة مع أن المواضيع لم تتغير.
ومن المعروف أن كثيراً من الذين تنقلب مواقفهم في كل حين يراهنون على قلة الثقافة الدستورية، وضعف ذاكرة كثير من الناس، والتعلق برمزية أشخاص أو جماعات معينة، بحيث إن كل ما تقوم به هذه الرموز هو الصحيح والمبرر عندهم حتى لو انقلبوا على مواقفهم السابقة أي منقلب، وهذا لا يحدث في الدول الديموقراطية العريقة، حيث يحاسب أي سياسي أو تجمع عندما تتغير مواقفه بشأن قضايا أو أزمات لم تتغير مواضيعها.
المطلوب من السياسيين في الكويت عدم الاستعجال ودراسة آرائهم ومواقفهم دراسة دستورية وعلمية بأمانة قبل إعلانها كي لا يضطروا إلى تغييرها، كما أن عليهم احترام الرأي الآخر في المواضيع الخلافية وعدم الانقياد وراء وسائل التواصل غير المتخصصة، وكذلك فإن المطلوب من الشعب الحكم بدقة على هذه المواقف وتذكرها جيداً وعدم نسيانها أو الانقياد الأعمى لرأي أي جماعة أو رمز، أو الانخداع بإشاعات وسائل التواصل حتى يتم تمحيصها من قبل المتخصصين.