هيمنت الكوارث المناخية والنتائج التي حققها مؤتمر المناخ في شرم الشيخ وأوجه القصور التي شابته على الأخبار البيئية على مدى الأشهر القليلة الماضية، مع وجود الخلافات المعتادة حول الإلغاء التدريجي للوقود الأحفوري أو تخفيض استخدامه أو إعادة استخدامه، ومع ذلك، تم تحقيق انتصار آخر لعالم الطبيعة مؤخراً في كندا في نهاية العام الماضي، حيث اتفقت 196 دولة على إطار بالغ الأهمية لحماية الأرض والمحيطات والحياة البرية في العالم، ويتضمن إطار كونمينغ-مونتريال العالمي للتنوع البيولوجي أهدافا ذات رؤية لعام 2050 و23 هدفاً مرحلياً لعام 2030 للحفاظ على الطبيعة واستعادتها وحماية التنوع البيولوجي ومنع انقراض الأنواع.

يتمثّل التزام إطار كونمينغ-مونتريال العالمي للتنوع البيولوجي في هدفه «30 × 30» للحفاظ بشكل فعال على ما لا يقل عن 30% من أراضي العالم ومياهه الداخلية ومناطقه الساحلية ومحيطاته، واستعادة 30% من البيئات البرية والبحرية المتدهورة بالفعل بحلول عام 2030، وتوفّر هذه الاتفاقية أساساً جيداً للعمل العالمي بشأن التنوع البيولوجي، يُعدّ مكملاً لاتفاقية باريس للمناخ، وأصبح لدى العالم الآن مسار مزدوج للعمل من أجل اقتصاد عالمي مستدام بحلول عام 2050.

Ad

لمَ يُعد ذلك أمراً مهماً؟ يعتمد أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي العالمي على خدمات النظام الإيكولوجي، وهي الخدمات الأساسية التي تجعل الحياة ممكنة للناس، على سبيل المثال، تعمل النباتات على تنقية الهواء النظيف وتصفية المياه بينما تعمل البكتيريا على تفكيك النفايات ويقوم النحل بتلقيح الأزهار وتثبّت جذور الأشجار التربة في مكانها لمنع التعرية وما إلى ذلك، وهذه الوظائف مهددة نتيجة الانقراض واستغلال الأنواع الحيوية، وزيادة حموضة المحيطات المليئة بالنفايات البلاستيكية والإفراط في استهلاك موارد الكوكب، وقد يشير الاتفاق، إذا ما نُفّذ، إلى تغييرات رئيسة في الزراعة، وسلاسل التوريد التجارية، ودور مجتمعات الشعوب الأصلية في الحفاظ على موارد الأرض. ستشمل الاتفاقية إصلاحاً بقيمة 500 مليار دولار من الإعانات الحكومية الضارة بالبيئة، والتي تشمل الزراعة وصيد الأسماك واستهلاك المياه والوقود الأحفوري وما إلى ذلك، وتتطلّب من الحكومات التأكد من أن تكشف الشركات الكبيرة والعالمية عن تأثيرها وتبعاتها وآثارها على التنوع البيولوجي، وما يثير الاهتمام في هذه الاتفاقية هو سعي الصين لتمريرها، التي تعتبر عادة إحدى أكثر الدول إنتاجاً للملوثات في العالم، وإذا كانت الصين من الموقعين عليها، فمن المؤكّد أن بقية العالم ستحذو حذوها.

وقد تُشكّل، في حالة تنفيذها، بداية لتغيير كبير في ممارسات القطاع الخاص والتجارة بشكل عام، حيث يعتمد نحو نصف الناتج المحلي الإجمالي العالمي على الأداء السليم للعالم الطبيعي، وفقاً للأمم المتحدة. ففقدان التنوع البيولوجي نتيجة أعمال الشركات من طريقة استخلاص للموارد الطبيعية وسبل التوريد سيعتبر من أجندة المخاطر حيث الشركات الملوثة وغير الملتزمة ستفقد الصلاحية للعمل في بعض الأسواق العالمية، وقامت عدة بلدان بالفعل بوضع قواعد للاستعانة بمصادر مستدامة، بشأن المنتجات الاستهلاكية المختلفة مثل زيت النخيل والمطاط والقطن، ومن المتوقع أن تعم هذه القواعد جميع القطاعات بعد اتفاقية كونمينغ-مونتريال.

وحضرت ما بين 700 و1000 شركة الدورة الخامسة عشرة للمؤتمر، وهي المرة الأولى التي تظهر فيها هذه الشركات لدعم الحفاظ على التنوع البيولوجي، بما في ذلك 150 مؤسسة مالية، تمثّل أكثر من 24 تريليون دولار من الأصول الخاضعة للإدارة، على النقيض من شركات الوقود الأحفوري التي كانت تميل إلى عرقلة المفاوضات بشأن المناخ.

لم يُنظر إلى ممثلي شركات الزراعة والسلع الأساسية في مونتريال على أنهم يحاولون عرقلة التوصل إلى اتفاق طموح، في المقابل، كانوا مصممين على تأدية دور قيادي، كما نُقل عن أحد المسؤولين فقد «كان رد فعل القطاع الخاص رائدا حقا، فالشركات تطالب بوضوح بالتقييم والإفصاح الالتزام، وهو ما فاجأ معظم المفاوضين».

وهذه دعوة تنبيه للقطاع الخاص في الكويت والمنطقة: فإذا كانوا يرغبون في العمل دولياً، فيجب الاستعداد لمنظومة عالمية جديدة لتقييم المخاطر والتبعيات والآثار المتعلقة بالتنوع البيولوجي والكشف عنها حيث ستطلب الأسواق العالمية والحكومات القيام بذلك في موعد أقصاه عام 2030.

* خبيرة بيئية