دانت الصين أمس «الطريق الخاطئ والخطر» الذي تسلكه الشراكة المبرمة بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا ضمن برنامج الغواصات الهادف إلى مواجهة نفوذ بكين في المحيط الهادئ.

هذه الشراكة التي أبرمت أمس الأول والمعروفة باسم تحالف أوكوس (AUKUS) ستؤدي الى استبدال أستراليا أسطولها من الغواصات التي تعمل بالديزل بجيل جديد من الغواصات التي تعمل بالدفع النووي، والتي تعتبر أكثر قدرة على التخفي، بهدف موازنة التطور العسكري الصيني، والحفاظ على ميزان القوى القائم منذ عقود في منطقة المحيط الهادئ.

ليست مسلحة نووياً
Ad


وأعلن زعماء الولايات المتحدة، وأستراليا، والمملكة المتحدة، أمس الأول، شراء الحكومة الأسترالية لغواصات أميركية هجومية تعمل بالطاقة النووية.

والتقى الرئيس الأميركي، جو بايدن، في سان دييغو، رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز، ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك. وأشاد القادة بالشراكة الثلاثية التي بدأت قبل 18 شهرا.

وشدد بايدن، الذي بدا حساسا بشأن التوترات مع الصين وانتقادها للشراكة، على أن الغواصات «تعمل بالطاقة النووية، وليست مسلحة نوويا»، لاحترام مبدأ عدم انتشار الأسلحة النووية.

وأضاف بايدن أنه يتوقع التحدث مع الرئيس الصيني شي جينبينغ قريبا، لكنه رفض تحديد موعد لذلك.

ورد بايدن بكلمة «لا» عندما سئل خلال اجتماع مع رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك في سان دييغو عما إذا كان قلقا من أن الصين ستنظر إلى اتفاق الغواصات (أوكوس) على أنه اعتداء.

من جهته، قال ألبانيز: «الاتفاقية تمثل أكبر استثمار منفرد في تاريخ القدرات الدفاعية الأسترالية». وأضاف: «كما أنها المرة الأولى منذ 65 عاما التي تقدم فيها الولايات المتحدة تقنية الدفع النووي الخاصة بها لدولة أخرى، ونشكرها على ذلك».

أما سوناك فقد وصف أوكوس بأنها «أهم شراكة دفاعية متعددة الأطراف منذ أجيال».

وفي بيان مشترك قبل الإعلان الرسمي، قال القادة الثلاثة إن بلدانهم عملت على مدى عقود من أجل «الحفاظ على السلام والاستقرار والازدهار في جميع أنحاء العالم»، بما في ذلك منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

وذكروا في البيان، الذي صدر قبل اجتماعهم في سان دييغو، «نؤمن بعالم يحمي الحريات، ويحترم حقوق الإنسان وسيادة القانون واستقلال الدول والنظام الدولي القائم على القواعد». وأضافوا «ستساعدنا الخطوات التي سنعلنها اليوم على تعزيز هذه الأهداف ذات المنفعة المتبادلة خلال العقود المقبلة».

وقال مستشار البيت الأبيض للأمن القومي، جايك سالفيان، في مؤتمر صحافي، إن مشروع الغواصات يجسّد تعهّد واشنطن على المدى الطويل حماية «السلم والاستقرار» في منطقة آسيا المحيط الهادئ.

سجال

وسيحصل هذا الاستبدال أولاً عن طريق شراء غواصات أميركية، ثم صنع نوع جديد من الغواصات على الأراضي الأسترالية بتصميم مشترك بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا.

وسبق لأستراليا أن كانت في طريقها لاستبدال أسطولها الحالي المتهالك من الغواصات العاملة بالديزل بمجموعة غواصات فرنسية تقليدية في إطار صفقة بقيمة 66 مليارات دولار. وأثار إعلان كانبيرا المفاجئ أنها ستتخلى عن الاتفاق وتدخل في «أوكوس» سجالا حادا جدا لم يدم طويلا بين البلدان الثلاثة من جهة، وحليفتها فرنسا من جهة أخرى.

ومقارنة بالغواصات من فئة «كولينز» التي ستتخلى عنها أستراليا، فإن تلك الغواصات من طراز «فيرجينيا» أطول بمرّتين ويمكنها حمل 132 شخصا من أفراد الطاقم بدلا من 48.

وذكر مسؤولون أستراليون أن تكلفة الاتفاقية ستبلغ نحو 245 مليار دولار، وستنفذ على مدار العقود الثلاثة المقبلة، وستخلق 20 ألف فرصة عمل، حسب أسوشيتد برس.

لكن الأمر سيستغرق وقتا طويلا. وقال مسؤول أميركي رفيع المستوى طالبا عدم كشف هويته، إن البحرية البريطانية ستتلقى السفن من طراز «اس اس ان-أوكوس» في أواخر ثلاثينيات القرن الواحد والعشرين، فيما سيتعين على أستراليا أن تنتظر حتى أواخر أربعينيات القرن الحالي. في الأثناء سيتدرّب البحارة والمهندسون وأفراد الطواقم الأستراليون مع نظرائهم الأميركيين والبريطانيين لاكتساب الخبرات.

ازدراء للمجتمع الدولي

ونددت بكين بمبادرة الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا هذه، وكانت حذّرت من أن «أوكوس» قد يؤدي إلى إشعال سباق تسلّح، واتّهمت الدول الثلاث بالتسبب في انتكاسة في جهود منع الانتشار النووي.

وقال الناطق باسم الخارجية الصينية، وانغ وينبين، في تصريح للصحافيين «يظهر البيان المشترك الأخير الصادر عن الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا أن هذه الدول الثلاث تسلك بشكل متزايد طريقا خاطئا وخطرا خدمة لمصالحها الجيوسياسية في ازدراء كامل لمخاوف المجتمع الدولي».

ورغم ذلك قالت وزارة الخارجية الصينية أمس إن بكين وواشنطن تواصلان الاتصالات الضرورية، وذلك في معرض رد على سؤال حول محادثات متوقعة بين الرئيس الصيني شي جينبينغ، والرئيس الأميركي جو بايدن.

وتابع المتحدث وانغ ون بين في إفادة دورية «نعتقد أن قيمة الاتصال وأهميته تكمن في تعزيز التفاهم وإدارة الخلافات وليس الاتصال من أجل الاتصال».

وتنظر الصين باستياء خصوصا للتقارب الذي بدأ في السنوات الماضية في المنطقة بين سلطات تايوان والولايات المتحدة التي توفر للجزيرة منذ عقود دعما عسكريا في مواجهة بكين.

وتعتبر السلطة الشيوعية الجزيرة مقاطعة تابعة للصين لم تتمكن من إلحاقها ببقية الأراضي منذ انتهاء الحرب الأهلية الصينية (1949).

والأسبوع الماضي، اتّهم الرئيس الصيني شي جينبينغ الولايات المتحدة بقيادة الجهود الغربية باتّجاه «الاحتواء والتطويق والكبت الكامل للصين».

لكن واشنطن تشير إلى أن بكين تثير مخاوف بلدان في منطقة آسيا والمحيط الهادئ عبر تهديداتها بغزو تايوان التي تتمتع بحكم ديموقراطي، إضافة إلى تشديدها على التهديد الذي تمثله كوريا الشمالية المسلحة نوويا.

أكبر حشد منذ الحرب

وأكد وزير الدفاع الأسترالي ريتشارد مارليس، أمس، أن اتفاقية شراء الغواصات «ضرورية لمواجهة أكبر حشد عسكري تقليدي في المنطقة منذ الحرب العالمية الثانية».

وقال مارليس إنه بذل جهودا دبلوماسية مضنية لأشهر عدة قبل إعلان الاتفاق، وتضمن ذلك إجراء أكثر من 60 مكالمة هاتفية مع زعماء المنطقة والعالم.

وقال مارليس إن حكومته تعتزم زيادة قدراتها العسكرية، وإنفاق المزيد على قطاع الدفاع في المستقبل.

من ناحيتها، اتهمت روسيا أمس الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا بتدبير «مواجهة تستمر لسنوات» في آسيا عبر إطلاقها تحالف أوكوس بشأن الغواصات النووية، حسب «فرانس برس».

واعتبر وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أمس، أن «العالم الأنغلوساكسوني يبني تكتلات مثل اوكوس، ويطور البنى التحتية لحلف شمال الأطلسي في آسيا، ويراهن بجدية على مواجهة تستمر سنوات طويلة».

أكبر مناورات

وأعلن متحدث عسكري فلبيني، أمس، أن الفلبين والولايات المتحدة ستجريان أضخم تدريبات عسكرية لهما على الإطلاق، في أبريل المقبل، بمشاركة 17600 جندي، والتي ستكون أول تدريبات بالذخيرة الحية في البحر، وسط تصاعد التوترات مع الصين بشأن بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه.

ومن المقرر إجراء المناورات في 5 مقاطعات على الأقل، بما في ذلك زامباليس وبالاوان، وكل منهما يواجه بحر الصين الجنوبي. ويقع أحد مواقع التدريبات بالقرب من تايوان، حيث تتصاعد التوترات مع الصين أيضا.