نعم للصحافة والكتاب الورقي
خبر مفرح تساقط على أهل الصحافة بعودة مجلة «المجلة» بنسختها الورقية و«بنموذج عصري» بعد غياب دام نحو عامين، العدد الأول لمجلة «المجلة» تداوله الزملاء وهم غير مصدقين أن مطبوعة عربية خرجت إلى الحياة من جديد وبحلة فنية متطورة، وهذا هو التحدي الذي يحسب للقائمين على هذا المشروع الثقافي والفكري والمسؤولية المهنية.
العودة تثير السؤال المتجدد، عن «السباق» أو «الصراع» أو «المنافسة» بين الصحافة الورقية والإلكترونية، نتحدث هنا عن المطبوعات الورقية بكل أشكالها، ووسائل التواصل الاجتماعي والمنصات والصحف الإلكترونية، وهذا ينسحب مباشرة على المفاضلة بين الكتاب الورقي والآخر الإلكتروني.
بيروت ورغم متاعبها الاقتصادية والسياسية المفجعة كانت حاضرة وصوتها مرتفع، ففي جلسة نقاشية رتّبها الدكتور خالد زيادة مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات وبعنوان «الكتاب في لبنان بين الورقي والإلكتروني» طرحت فيها المخاوف والهواجس التي رافقت تحول الطباعة من الورقي إلى الإلكتروني.
أحد المحاورين وهو السيد زياد شبيب، مدير دار النشر في صحيفة «النهار» خلص إلى القول إن المخاوف من موت الكتاب الورقي تراجعت مع صموده في وجه الكتاب الإلكتروني، بل حصل نوع من التعايش بين الاثنين ولم يستطع الإلكتروني أن يحتويه بل كان مكملاً له.
السؤال، هل صناعة الكتاب والنشر في لبنان ما زالت بخير؟ قد يبدو السؤال فيه شيء من الغرابة، لكن القائمين على دور النشر يعتقدون أن «الكتاب اللبناني» لم يفقد قيمته ولا دوره.
الحقيقة أنه في ظل غياب إحصاءات ودراسات ميدانية وواقعية يصعب القبول بفكرة أن الكتاب اللبناني بخير، فهناك مشاكل لا حصر لها، وبعض دور النشر أغلقت أبوابها، فهذا القطاع يدفع ثمن أخطاء منظومة الحكم الفاسدة التي أوصلت البلاد إلى حالة من فقدان أساسيات العيش الكريم، وأغلقت على دور النشر كل الأبواب التي تعيد إليها الروح، فالسيد صلاح شبارو مدير أهم موقع إلكتروني لبيع الكتاب وهو «النيل والفرات» يعاني الأمرين كي يبقى في دائرة الضوء، ولديه 600 ألف كتاب ورقي، و16 ألف كتاب إلكتروني.
من يستمع إلى أصحاب المهنة يدرك حجم الأزمة والمأساة التي وصلت إليها حال الكتاب اللبناني، لكنه في الوقت نفسه يزداد إعجاباً من ذاك الرفض وعدم الاستسلام للكلام الذي ينعى فيه البعض موقع بيروت ولبنان عموماً في صناعة الكتاب العربي ونشره وتوزيعه.
فصاحب مكتبة الفرات، السيد عبودي أبو جودة يعيد الأمور إلى نصابها، فدور النشر اللبنانية وجدت أساساً لتغذية السوق العربي، ومهما شغل الكتاب الإلكتروني من تسجيل أرقام متقدمة فلن يكون بمقدوره أن يلغي الكتاب الورقي أو يحل مكانه، صحيح أن دول الخليج العربي باتت تملك المطابع ودور النشر وبتقنيات عالية، لكنها تبقى محتاجة إلى الكتاب اللبناني، فالثقة التي يحتلها والحريات التي يتمتع بها تمنحه الدور الذي يستحقه ويحصل عليه.
كنت وإلى أسابيع في حوار مع عدد من أصحاب دور النشر اللبنانيين، وهؤلاء لا يفوتهم معرض للكتاب في عواصم الخليج والعرب إلا ويوجدون فيه، لديهم انطباع أن القارئ العربي عموماً ما زال يشعر أن بيروت هي عاصمة الكتاب والنشر نظراً لتاريخها وعطائها الذي لم ينقطع منذ خمسينيات القرن الماضي.
اليوم إذا أردت أن تحصل على أي كتاب غير موجود في أي عاصمة عربية فما عليك إلا التوجه بأنظارك نحو بيروت، فهي ملجأ الحريات والنشر والكتاب.