كانت الذكرى السنوية الأولى للغزو الروسي لأوكرانيا فرصة مناسبة للتأمل في العواقب الضمنية العالمية المترتبة على الحرب، بالإضافة إلى البؤس البشري الذي لا يمكن تصوره أو حصره، أشعل العدوان الروسي شرارة أزمة غذاء وطاقة غير مسبوقة تاريخيا وتسبب في ارتفاع التضخم العالمي، مما يعرض للخطر التعافي الاقتصادي الهش من جائحة مرض فيروس كورونا 2019، لكن الحرب سلطت الضوء أيضا على الأسس المتداعية التي يقوم عليها النظام الأمني الدولي الذي نشأ بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، مما أدى إلى إرسال موجات تصادمية إلى مختلف أنحاء العالم وتشجيع دول مثل ألمانيا واليابان على إعادة التسلح.
في حين لا يزال بعض الناس يحاولون تبرير تصرفات بوتين بالادعاء بأن روسيا استُـفِـزَّت على نحو أو آخر من خلال «التوسع الشرقي» من جانب حلف شمال الأطلسي، فإن الحقيقة هي أن أوكرانيا لم تشكل أي تهديد لروسيا عندما قرر بوتين غزوها، إذ لم يكن بوتين يسعى إلى الدفاع عن سلامة أراضي روسيا ضد تعديات أوكرانية أو غربية، بل كان ببساطة راغبا في ملاحقة طموحاته الإمبراطورية.
كان احتمال انتصار روسيا في أوكرانيا سببا في إحداث حالة من الذعر بين جارات روسيا في وسط وشرق أوروبا، وكذا بين الحكومات في مختلف أرجاء وسط وشرق آسيا، فإن كان بوسع روسيا، القوة النووية، أن تغزو جاراتها الأصغر حجما وتنتصر عليها، فما الذي قد يمنع بوتين من ملاحقة بولندا بعد ذلك، أو يمنع الصين من غزو تايوان؟
في حين أصبح العالم في حاجة ماسة إلى الاجتماع حول استراتيجية موحدة، تعاني الأمم المتحدة من الانقسام والخلل. بعد أن استخدمت روسيا حق النقض ضد قرار مجلس الأمن الذي يدين غزوها عند بداية الحرب، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارات بلا أنياب، بما في ذلك قرار الثالث والعشرين من فبراير الذي يدعو روسيا إلى الانسحاب الفوري، وفي مواجهة التهديد الأعظم للاستقرار العالمي في هذا الجيل، يبدو أن الهيئة التي أُنشئَت للإشراف على النظام الليبرالي الدولي والدفاع عنه أصبحت عاجزة عن منعه من الانهيار.
تكمن المشكلة في البنية الحاكمة للأمم المتحدة، أنشئ مجلس الأمن للحفاظ على السلام العالمي، لكن حق النقض الممنوح لأعضائه الخمسة الدائمين كان دوما يشكل عقبة رئيسة تحول دون تحقيق هذا الهدف. والآن، في حين يشن أحد أعضائه الدائمين الذين يتمتعون بحق النقض حربا عدوانية ضد دولة مجاورة، في انتهاك صارخ للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، يعجز مجلس الأمن فعليا عن فرض عقوبات اقتصادية أو جلب حل سلمي.
ثم تقوضت سلطة مجلس الأمن بدرجة أكبر بسبب انتهاكات كوريا الشمالية المتكررة لقراراته، فأطلق النظام الكوري الشمالي صاروخا باليستيا عابرا للقارات هبط في المنطقة الاقتصادية الخالصة لليابان في الثامن عشر من فبراير، ويُـقال إنه يستعد لتجربة نووية سابعة. في العام الماضي، أطلق أكثر من 90 صاروخا فوق بحر الصين الشرقي وبحر اليابان. مع ذلك، التزم مجلس الأمن الصمت منذ استخدمت الصين وروسيا حق النقض ضد محاولة بقيادة الولايات المتحدة لفرض عقوبات جديدة على كوريا الشمالية، مما أدى إلى توجيه انتقادات شديدة للولايات المتحدة.
كان عجز الأمم المتحدة عن معالجة هذه التهديدات المتنامية للاستقرار العالمي سببا في تشجيع ألمانيا واليابان على التخلص من نفورهما من تطوير قدرات عسكرية قوية. مع اندلاع حرب برية مستعرة في أوروبا، تعهدت ألمانيا بزيادة ميزانيتها الدفاعية بنحو 100 مليار يورو (106 مليارات دولار أميركي) ووافقت (على مضض) على إرسال 14 دبابة من طراز ليوبارد 2 إلى أوكرانيا، أما اليابان، التي صدمها الغزو الروسي بشدة، فتخطط لمضاعفة الإنفاق الدفاع بحلول عام 2027، كما تُراجع اليابان استراتيجية الأمن القومي لتمكين المؤسسة العسكرية من ضرب أهداف للعدو في الخارج في حال تعرضها لهجوم فعلي أو وشيك.
على الرغم من التزامها الجديد بإعادة التسلح، حافظت اليابان على دستورها السلمي ولا تزال تعارض حيازة أي أسلحة نووية، بسبب صدمة هيروشيما وناغازاكي، ورغم أن أغلب الجمهور الياباني يدعم تعزيز الإنفاق الدفاعي، فلا يزال كثيرون يعتقدون أن الدستور الذي فرضته الولايات المتحدة كان مصيبا في تقييد دور المؤسسة العسكرية في الدفاع عن الذات، لكن غزو روسيا لأوكرانيا، جنبا إلى جنب مع الاستفزازات من جانب كوريا الشمالية وموقف الصين المتزايد العدوانية، سلط الضوء على أهمية بناء القدرات الدفاعية اليابانية والتعجيل بتحولها بعيدا عن المثالية السِـلمية.
من ناحية أخرى، تتطلب حماية الديموقراطية الليبرالية ضد المعتدين مثل روسيا وكوريا الشمالية وجود هيئة متعددة الأطراف قادرة على التصدي للمخاطر التي تهدد السلام العالمي، ولكي يضطلع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بدوره في حفظ السلام حقا، يتعين عليه أن يجري إصلاحات كبرى، وفي أقل تقدير، يجب منح اليابان وألمانيا مقعدين دائمين وحق النقض، والبديل هو تعليق حق النقض الذي يتمتع به أي عضو دائم إذا أصبح معتديا، مثل روسيا. لقد أصبح العالم على شفا كارثة، ولا يوجد بديل الآن لإصلاح الأساس الذي تقوم عليه الحوكمة العالمية.
*تاكاتوشي إيتو نائب مساعد وزير المالية في اليابان سابقا، وأستاذ في كلية الشؤون الدولية والعامة في جامعة كولومبيا وكبير أساتذة المعهد الوطني للدراسات السياسية العليا في طوكيو.