آخر ملكات فرنسا قبيل اندلاع ثورتها الشهيرة التي أتت أواخر القرن الثامن عشر، الملكة الحالمة «ماري إنطوانيت» التي اشتهرت قصتها بسبب تلك المقولة الشهيرة حين أتت الشكاوى المتعددة بأن الشعب لا يجد قوته ولا حتى رغيف خبز، فأجابت بطرحها المتعالي الفوقي والمنفصل عن الواقع (بسيطة... دعوهم يأكلون الكيك عوضا عن الخبز!!)، وهذا حرفياً هو منطلق الاقتراحات السائدة هذه الأيام والتي يعانيها الشعب عن طريق اللفلفة حول متطلباته الأساسية والنظر إلى كماليات الطبقة البرجوازية أو من منطلقاتها وزواياها فقط، وخير مثال على ذلك حال المجلس البلدي في الكويت اليوم حين تنطلق منه مقترحات «تطير» بها الجماهير دون وعي حقيقي ودون النظر إلى حيثياتها حقا.

أتابع شخصيا المجلس البلدي وعن كثب في الآونة الأخيرة، فله ما له وعليه ما عليه من سلبيات وإيجابيات فيما يخص اختصاصاته المتداخلة، خصوصا ما يعنى بالبيئة والاستدامة، ولكن بين الفينة والأخرى لا بد من صدور نغمات النشاز من هنا أو هناك، فقد رسم أحد تلك المقترحات الابتسامة على محياي ساعات متتالية وأنا اضحك على سذاجة الطرح والمنطق من جانب، ومن جانب آخر العقلية التي تستمع إلى طرح كهذا أصلا، حين تم اقتراح تدشين نقاط تجمع للمركبات والدراجات عند محطات الباص، ومن ثم ركوبها جماعياً! لم يراعِ هذا المقترح الـ«الماري إنطوانيتي» حقائق كثيرة وتجاهل أس المشكلة حقا في طرح فوقي، وألبس الحق بالباطل حقا حين حاول أن يعالج مشكلة الازدحام المروري والتلوث الناجم من عوادم السيارات بمصيبة أكبر على الناس تؤدي حتميا إلى مشكلة تكدس وازدحام وتلوث في نهاية المطاف!! أين تقبع تلك المحطات؟ وأين ستكون من دون العمل على شبكات طرق محكمة متطورة؟! وأين ستكون تلك الباصات؟ أليست على شوارع متهالكة يتطاير منها الحصى؟! حسنا ما بصمة الملوثات للمقترح ومردودها البيئي؟!

وعليه قس على ذلك مشاكل التلوث التي ستنجم عن مقترحات كهذه حين لا تراعي حقيقية الناس وواقعهم على الأرض، وما قد ينجم عن ذلك كله من ازدحام بسبب عدم وجود أماكن أصلا للسيارات والمشاكل التي ستتشكل مع الزمن، والتي يمكن أن يكتب فيها مقالات عدة بل مجلدات، فلكل طرح فوقي كهذا أثر وهناك مشاكل أكبر وأكبر على مستوى المجلس البلدي تتشابه مع مشاكل مجلس الأمة من ناحية التمثيل الحقيقي للناخبين والعدالة في توزيع المناطق وقت الانتخابات وتدخل السلطة التنفيذية بوضوح في تعيين 6 نواب لا نعلم من أين أتوا وإلى أين يؤولون؟
Ad


طبعًا الحديث هنا عن خبراتهم وأسمائهم من ناحية الخبرات العملية لا شخوصهم الكريمة، فلهم منا كل الاحترام والتقدير على المستوى الشخصي، ولكن الحديث يتجه نحو الرصيد السياسي والشعبي، فذلك كله بدهي حين يتم التعيين و بالإجبار ستة أعضاء ليسوا منتخبين يفرضون على إرادة الأمة فرضا، ومن جهة أخرى لاحظت اقتراح تدشين ملاجئ تحمي الشعب من أي أغبرة نووية في المستقبل!! فصاحب الاقتراح لا يعيش معنا في الواقع نفسه حتما، ولا يقدر معنى الاقتراح هذا الـ«الماري إنطوانيتي» كذلك!!

على الهامش:

أثير لغط وكلام عن الرواتب الاستثنائية ذات الأرقام الفلكية من المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية مؤخرا، وعليه أقترح على سمو رئيس الوزراء الشيخ أحمد النواف أن يشكل لجنة تحقيق فورية عن صحة تلك المزاعم من جهة، ومن جهة أخرى أن يرسم ملامح مشروع قانون لإلغاء أي قانون أو مادة بقانون تعطي الحق لكائن من كان أن يتصرف بالمال العام بهذه الصورة، فللأموال العامة حرمة وجب الحفاظ عليها، والأدهى والأمر من يقرأ تلك الأرقام بالرواتب الاستثنائية يتوهم لوهلة أنها أعطيت لعلماء فضاء في (ناسا) أو جراحي طب بشري بتخصصات دقيقة أو علماء ذرة مثلا!

هامش أخير:

لست متفائلاً البتة من التشكيل الحكومي الأخير، ففيه من كان يريد أن «ينقض» على جيب المواطن ومن لا يحمل أي رصيد شعبي أو سياسي، ويبدو لي أن الأيام القادمة ستكون حبلى بالتأزيم نظراً لرقابة الشارع الكويتي الدقيقة على الأداء الحكومي، ولكن هذه الحكومة ستكون أفضل وسيلة لمراقبة أداء الوزراء النواب، فلننتظر قليلاً لنرى، ولكن في الوقت نفسه أقول إن أي تفاؤل قادم أو فرحة يجب أن تكون بحذر، وعلينا أيضا أن نعي أن برنامج عمل الحكومة القادم سيكون مفصلياً جداً، ويجب عليها أن تضعه بما يتماشى مع تطلعات المستقبل.