الرقم الصعب المفقود في معادلتنا السياسية في الكويت... ما هو؟
منذ تحرير الكويت وهناك ثلاثة أرقام صعبة، ورغم أهميتها، فهي مفقودة لدينا في الكويت، ويكفي أن يكون أحدها مفقوداً حتى يكون البلد في حالة لا تسرّ... بل ويتراجع!
فما بالكم إن كان المفقود هو كل تلك الأرقام الثلاثة؟!
فأول ما يفتقده البلد، أسرة حُكْم أو قُلْ سلطة تبتعد عن حالة الصراع الداخلي فيما بينها من جهة، وعن حالة المنافسة بينها وبين المكونات السياسية والاجتماعية والتجارية في البلد. فالأسر الحاكمة ينبغي أن تكون مرجعية وركن استقرار في الدولة، وهو ما يستلزم الحياد والبعد عن أي طرف من مكونات المجتمع، بأيّ صورة من الصور.
وكلما ابتعدت السلطة عن إقحام نفسها في الإدارة التنفيذية كانت كذلك، بينما إن حاولت أن تكون مركز استقطاب اجتماعي أو مشروعاً اقتصادياً أو تجارياً، تسلل الخلل لإدارة الدولة، وغاب الحياد وخدشت المرجعية، وتولّد عدم الاستقرار السياسي.
وهذا مكمن رئيسي لفقدان أهم الأرقام الصعبة لدينا في البلد، ولذا، فإن على السلطة أن تراجع بصورة عاجلة وتتمعّن في هذا الأمر، فتحسم أمرها في قبول الدستور ونظامه البرلماني من دون تردد، ثم لتحسم أمر مرجعيتها وحيادها وتؤكد وتتمسك بموقعها كأسرة حكم متماسكة وتنظّم أمورها داخلياً من جهة، وتتبنّى التزاماً بنطاق سلطات رئيس الدولة في نظامنا الدستوري وسلطاته المحددة من جهة أخرى.
عندها سيكون هذا الرقم الصعب الأهم حاضراً، وسبباً رئيسياً للاستقرار ولمرجعية دون تجريح، وليست طرفاً ضمن المكونات المختلفة للبلد المتنافسة في أحد اتجاهاته، وسيكون ذلك سبباً لتقويم الأرقام الصعبة الأخرى.
أما الرقم الثاني الصعب، فهو الحكومة، فهي غائبة أو قُل مغيّبة كسلطة تنفيذية كاملة الصلاحيات وفقاً للمادة 123 من الدستور، الذي استخدم لفظ «تهيمن» تعبيراً عن جسامة سلطاتها ومسؤولياته، وهو ما لا تلمسه في أدائها، فهي رادفة على الحدث وليست صانعة له ولا قائدة للقرار، الضغط السياسي العام يُفقدها الثقة ويُضعف قدرتها! وتدخّلات الأعضاء وممارساتهم المنتهكة للدستور تربكها ولا تجعلها قوية في إظهار رأيها والدفاع عنه، وتتخذ قرارات مهمة وتقدّم برنامجاً فريداً وتغيب عن الترويج له والظهور به والدفاع عنه، قضايا ملحّة تؤرّق البلد مؤجلة تماماً، إمّا لضعف أو تردّد أو إملاء، مما أدى إلى فراغ واسع في البلد ضاعت معه السياسات وتخبّطت الإدارة العامة.
وأما الرقم الثالث، الغائب والمتخبّط، والذي يعتاش على هامش الأمور وبتكسُّب غير رشيد يهدم كل القواعد الدستورية والبرلمانية، فهو مجلس الأمة بأغلبية أعضائه، وما أدراك ما علل هذا الرقم!
إن مجالس الأمة كانت تضع في موقع العضوية البرلمانية شخصيات من طراز رجال الدولة، الذين يبذلون جهدهم للبناء المؤسسي للدولة، انطلاقاً من فهم صحيح للدستور والوقوف عند حدوده فيما لهم من اختصاصات تشريعية ورقابية ومالية، مصلحة البلد وتوازناته السياسية هي بوصلتهم في عملهم البرلماني، وهو سبب اكتساب التجربة البرلمانية صيتاً ذائعاً في العالم العربي منذ مجلس 1963 وحتى مجلس عام 1985.
ومنذ مجلس 1992 انفرط عقد العمل البرلماني الرصين، وتصدّر المشهد أعضاء ينادون ويطالبون بأن تُسند المسؤولية لرجال دولة، وهم فاقدون لهذا الوصف بصورة عامة، فهم يبحثون عن تكسّبات سياسية آنية ويقومون بترضيات انتخابية، واستخدموا الابتزاز السياسي لكسر أحكام الدستور والقانون في العدالة والمساواة، وغلبت عليهم المحسوبية والواسطة والطائفية، أو القبلية أو الفئوية أو الحزبية، حتى تردّت الممارسة البرلمانية، وكلما جاء مجلس بعد عام 1992 كان أسوأ، وهكذا، فصار أعضاء البرلمان يتاجرون بالمقعد البرلماني ويتكسّبون به سياسياً، فساد الارتجال التشريعي، وتاهت بوصلة الرقابة السياسية وساد الابتزاز والتكسّب وانحرف الاختصاص المالي باقتراحات تنتهك الدستور، وصار مصدراً للفساد.
يطالبون بحكومات رجال دولة، رغم أنهم فاقدو ذلك قبل الحكومات، فصار البرلمان مكمناً للضعف والتراجع البرلماني والسياسي.