بعد أسبوع من مشاركته بمفاوضات سعودية أفضت إلى إعلان اتفاق استئناف العلاقات الدبلوماسية بين بلاده والرياض، برعاية الصين، يبدأ اليوم أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، زيارة لافتة إلى الإمارات.
وأفادت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا)، أمس، بأن شمخاني سيتوجه إلى أبوظبي علي رأس وفد اقتصادي وأمني رفيع المستوى بعد مضي 15 شهراً على زيارة قام بها مستشار الأمن الوطني الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان للجمهورية الإسلامية. في موازاة ذلك، ذكرت وكالة نور نيوز أن زيارة شمخاني تأتي تلبية لدعوة رسمية من نظيره الإماراتي لبحث قضايا ثنائية وإقليمية ودولية.
وتأتي زيارة المسؤول الإيراني لأبوظبي في وقت يتزايد التقارب بين إيران ودول الخليج، على ضوء الاتفاق الذي رعته بكين لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بين طهران والرياض وإعادة فتح السفارتين في غضون شهرين، لإنهاء القطيعة التي بدأت عام 2016. وتسلط زيارة شمخاني للإمارات الضوء على تنامي العلاقات بين طهران وأبوظبي، منذ أن أعادت الإمارات سفيرها إلى إيران في سبتمبر الماضي، بعد خفضها مستوى العلاقات الدبلوماسية مع الجمهورية الإسلامية لأكثر من 6 سنوات، إثر خلافها مع السعودية.
تصحيح استراتيجي
وجاء الإعلان عن الزيارة بعد ساعات من اعتبار علي بهادري جهرمي، (المتحدث باسم حكومة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي)، أن الاتفاق الدبلوماسي بين إيران والسعودية يصحح «خطأ استراتيجياً» في سياسة طهران الخارجية بعد 7 سنوات من العلاقات المتوترة.
وقال جهرمي، في مؤتمر أمس الأول، إن «إعادة العلاقات مع السعودية أظهرت أن حل القضايا الإقليمية والعالمية لا يمرّ من خلال الغرب فقط، وكان هناك خطأ استراتيجي في الماضي بمجال السياسة الخارجية بهذا الشأن».
وأثناء حديثه عن الخطأ الاستراتيجي للسياسة الخارجية للحكومة السابقة في علاقات إيران مع جيرانها، قال إن «الرئيس السابق حسن روحاني سبق أن أشار إلى جهود البعض لمنع العلاقات الودية مع دول الجوار»، في إشارة إلى الاعتداءات التي قاداتها فصائل محسوبة على التيار المتشدد ضد القنصلية والسفارة السعودية في طهران ومشهد عام 2016 وأدت إلى قطع العلاقات.
استثمارات سعودية
وتزامنت الخطوات الإيرانية مع عدم استبعاد وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، أن تضخ المملكة استثمارات في إيران «بسرعة كبيرة»، بعد اتفاق الأسبوع الماضي.
وقال الجدعان في «مؤتمر القطاع المالي 2023» المنعقد في الرياض، رداً على سؤال حول الاستثمارات السعودية المقبلة في الجمهورية الإسلامية، «يمكن أن يحدث ذلك سريعاً. إذا جرى الالتزام بما تم الاتفاق عليه، أعتقد أن أمراً ما قد يحدث سريعاً».
وأضاف: «لا يوجد سبب يمنع ذلك. إيران جارتنا وكانت وستظل كذلك لمئات السنين. لذلك لا أرى أي مشكلة من شأنها أن تمنع تطبيع العلاقة عبر الاستثمارات مادمنا نلتزم بالاتفاق، ونحترم السيادة، ولا نتدخل في شؤون بعضنا البعض».
وتابع: «من أجل التركيز على تنميتك الاقتصادية والتركيز على توفير ما يلزم للشعب في بلادك، تحتاج إلى الاستقرار، والإيرانيون يحتاجون للأمرين». ولفت إلى أن «هناك الكثير من الفرص المتاحة في إيران، وأن السعودية أيضا بها العديد من الفرص للإيرانيين».
في سياق ذي صلة، صرح وكيل وزارة العدل اليمني، فيصل المجيدي، أمس، بأن هناك تفاؤلا وأملا كبيرا بحسم ملف الأسرى في المشاورات الجارية بين الحكومة المعترف بها دولياً، المدعومة من الرياض، وجماعة «أنصار الله» الحوثية المتمردة، المدعومة من طهران، في سويسرا.
وقال المجيدي إن «ملف الأسرى ينظر إليه على أنه المدخل الإنساني الذي يمكن من خلاله أن يكون مفتاحا لحلحلة المزيد من الملفات التي نطمح في تحقيقها، وكذلك يبدو للأمم المتحدة وكثير من الأطراف أن يتم فصله عن المسارات الأخرى، لأنه يتعلّق بالمجتمع، خصوصا مع قدوم شهر رمضان».
وأعرب عن أمل الحكومة في التوصل إلى تسوية بشأن تبادل الأسرى، خصوصاً مع إعلان إعادة العلاقات بين السعودية وإيران، إذ إن طهران لها كلمة مهمة بالنسبة للحوثيين.
ومضى قائلا: «نحن أمام امتحان حقيقي للنوايا في هذه المرحلة، فإن كانت هناك رغبة حوثية في إيجاد مدخل حقيقي لعملية سلمية، فإنّ ملف الأسرى سيكون هو الاختبار».
مناورات بحرية
في هذه الأثناء، أعلنت الصين، التي استضافت الجولة الأخيرة من المباحثات السعودية - الإيرانية، الجمعة الماضية، بدء تدريبات بحرية مشتركة في خليج عمان، شمال المحيط الهندي، مع البحريتين الروسية والإيرانية.
وذكرت وزارة الدفاع الصينية أن بكين وطهران وموسكو ستجري تدريبات «حزام الأمن البحري 2023» في الفترة من 15 إلى 19 الجاري.
وقالت إن «التدريبات ستساعد في تعميق التعاون الفعلي بين القوات البحرية للدول المشاركة».
وجاءت التدريبات التي ستستمر حتى يوم الأحد المقبل، والتي تعد الرابعة من نوعها منذ أن بدأت الدول الثلاث مثل هذه العمليات عام 2019، وسط مخاوف أميركية متصاعدة من زيادة التعاون العسكري بين الدول الثلاث التي تتسم علاقتها مع واشنطن بالتوتر.
مهرجان النار
إلى ذلك، تزايد القلق بشأن مصير 5 شابات إيرانيات ظهرن في مقطع فيديو راقص لاقى انتشاراً كبيراً على الإنترنت، أمس الأول، وسط مزاعم عن إلقاء السلطات القبض عليهن وإجبارهن على الاعتذار.
وظهرت الشابات في الفيديو من دون حجاب وبسترات قصيرة تكشف منطقة البطن وهن يرقصن على أنغام أغنية «كالم داون» للمغني النيجيري «ريما» أمام بناء ضخم في ضاحية إكباتان السكنية بطهران. في سياق آخر، لقي 11 شخصا مصرعهم وأصيب أكثر من 3500 آخرين في إيران ليل الثلاثاء ـ الأربعاء، خلال طقوس احتفالية بـ «مهرجان النار» تعود إلى حقبة ما قبل الإسلام.
الى ذلك، قال مسؤول سعودي لـ «فرانس برس» إن الزعيم الصيني شي جينبينغ عرض على ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال قمة الرياض التوسط لتحقيق مصالحة بين المملكة وإيران.
وتابع ان «الرئيس الصيني أعرب عن رغبته في أن تكون الصين جسرا بين المملكة العربية السعودية وإيران. ورحب سمو ولي العهد بذلك»، مضيفا أن الرياض ترى أن بكين في وضع «فريد» حاليا لتوسيع نفوذها في الخليج. وقال المسؤول «بالنسبة لإيران على وجه الخصوص، تحتل الصين المرتبة الأولى أو الثانية فيما يتعلق بشركائها الدوليين. وبالتالي فإن النفوذ مهم في هذا الصدد، ولا يمكن أن يكون لديك بديل مماثل في الأهمية». وقال المسؤول إن دور الصين يرجّح أن يساعد على صمود شروط الاتفاق، واصفا الدولة الاسيوية بأنّها «مساهم رئيسي في أمن واستقرار الخليج».
وقال المسؤول السعودي «الولايات المتحدة والصين شريكان مهمان للغاية...، ونأمل بالتأكيد ألا نكون طرفا في أي منافسة أو نزاع بين القوتين»، مشدداً على أنّه تم إطلاع المسؤولين الأميركيين قبل سفر الوفد السعودي إلى بكين وقبل الإعلان عن الاتفاق.