تأكيداً لصحة المعلومات التي نشرتها «الجريدة» الثلاثاء الماضي في تقرير بعنوان «السعودية حصلت على ضمانات إيرانية سرية قبل توقيع اتفاق بكين»، نقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية تصريحات لمسؤول سعودي، نشرتها وسائل إعلام سعودية بينها قناة «العربية»، أكد فيها وجود بنود سرية «مهمة لا يمكن الإفصاح عنها» في الاتفاق الذي تم بين السعودية وإيران في بكين برعاية صينية.
ونقلت الصحيفة الأميركية عن مصادر سعودية وأميركية، أن الاجتماعات التي جرت بين الجانبين السعودي والإيراني في بكين استمرت 5 أيام، وتناولت 3 نقاط رئيسية وبنوداً سرية، فضلاً عن تضمنها موافقة إيرانية على وقف شحنات الأسلحة السرية إلى متمردي حركة «أنصار الله» الحوثية؛ لدفعها للقبول بحل يُنهي الحرب في اليمن.
كما نقلت الصحيفة أيضاً عن مسؤول سعودي تأكيده «وجود التزام ثنائي أمني ودفاعي مع إيران بعدم الاعتداء عسكرياً وأمنياً واستخباراتياً»، معلناً دعماً سعودياً إيرانياً مشتركاً للاتفاقية فيما يتعلق باليمن.
وبينما أكد وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، أن بلاده اتفقت مع طهران على احترام سيادة الدول، وحسن الجوار، وحل الخلافات، صرح الناطق باسم الخارجية الإيرانية بأن الجانب السعودي طلب بحث الملف اليمني خلال الاجتماعات في بكين، لافتاً إلى أن بلاده جددت تأكيدها أن «الأزمة اليمنية شأن يمني».
في هذه الأثناء، أعرب رئيس الإمارات محمد بن زايد، خلال استقباله أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني في أبوظبي عن مباركته للاتفاق السعودي ـ الإيراني. مؤكداً أن «الإمارات مهتمة جداً ومستعدة لرفع العلاقات الثنائية إلى أعلى مستوى في جميع المجالات من خلال حل بعض نقاط سوء التفاهم بين البلدين».
من جهته، قال المسؤول الإيراني إن «العالم الإسلامي ومنطقة الخليج اليوم بحاجة إلى الصبر والتعاون، والتقارب أكثر من أي شيء آخر».
وكان شمخاني اعتبر خلال لقاءٍ مع نظيره الإماراتي طحنون بن زايد، أن زيارته للإمارات «منطلق لبدء فصل جديد في العلاقات».
وفي تفاصيل الخبر:
كشف مصدر سعودي أن الاجتماعات التي جرت بين الجانبين السعودي والإيراني في العاصمة الصينية بكين لـ 5 أيام وأفضت إلى تفاهم إنهاء القطيعة في غضون شهرين، تناولت 3 نقاط أساسية وتضمنت نقاطاً سرية لا يمكن الإفصاح عنها.
وأكد المصدر، في تصريحات لـ «وول ستريت جورنال»، أن توقيت توقيع الاتفاقية الثلاثية مع طهران وبكين، الجمعة الماضي، لم يأتِ عبثاً من قبل السعودية، وأن الرياض أبلغت حلفاءها ومن ضمنهم الولايات المتحدة الأميركية قبل التوجه إلى الصين والتوقيع مع إيران. وقال: «تلقينا دعما ومباركة من حلفائنا على توقيع الاتفاق»، وسط تأكيد أن السعودية ليست طرفا في الصراع بين الغرب والصين.
وأضاف أن الوفد السعودي شمل ممثلين عن الدفاع والخارجية والاستخبارات وأمن الدولة، لافتا إلى أن الصين ساعدت الرياض في الضغط على الطرف الإيراني أثناء المفاوضات، وكان للصين مصلحة كبيرة في استقرار وسلاسة التجارة والملاحة في الخليج، ومشدداً على أن الدور الصيني يزيد الاطمئنان بالتزام إيران بالاتفاق مع المملكة. وأوضح أن التفاوض مع إيران شمل احترام سيادة الدول، مشيراً إلى أن الرياض تستطيع التعاون مع طهران لخدمة الطرفين.
وأكد وجود التزام ثنائي أمني ودفاعي مع إيران بعدم الاعتداء عسكرياً وأمنياً واستخباراتياً، معلناً دعماً سعودياً إيرانياً مشتركاً للاتفاقية فيما يتعلق باليمن.
وأشار إلى أن «نهج إيران تجاه الصراع في اليمن سيكون اختباراً حقيقياً لنواياها، خصوصا أنها وافقت على وقف تسليح الحوثيين».
وتابع المصدر: «ظروف إيران ساعدتنا على انتزاع أكبر قدر ممكن من مطالبنا، وكان لدينا نفس طويل قبل الشروع في عقد الاتفاق مع طهران، وهناك لجنة متابعة ثلاثية رفيعة تجتمع دورياً لمتابعة تنفيذ الاتفاق، وفترة الشهرين تعطينا فسحة للتثبت من جدية الإيرانيين»، مؤكداً: «نريد أن يرى الشعب الإيراني النهضة والتطور الذي يعيشه الشعب السعودي».
كما شدد المصدر السعودي على أن الأراضي السعودية لن تستخدم لأي عملية عسكرية ضد إيران مستقبلاً، مصرحاً بأن «النقاط الأهم في الاتفاقية مع إيران تعتبر سرية ولا يمكن الإفصاح عنها، ولم يجر الحديث عن مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني أثناء مفاوضات بكين».
وبين أن الجانب السعودي لم يدخل في تفاهمات تفصيلية مع إيران حول الأزمات في العراق ولبنان. وذكر أن الإيرانيين كانوا يسعون لعقد لقاءات مع مسؤولين سعوديين رفيعين قبل الاتفاقية التي تهدف إلى إعادة العلاقات الدبلوماسية المقطوعة منذ 2016.
في غضون ذلك، أعرب وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، خلال كلمة أمام اجتماع الدورة الـ 49 لوزراء خارجية منظمة التعاون الاسلامي بموريتانيا إلى أن يعزز الاتفاق مع إيران أمن واستقرار منطقة الخليج العربي ويدعم مسيرة العمل الإسلامي المشترك.
وأشار إلى دعم المملكة للسلام في اليمن وجهود الأمم المتحدة للتوصل لوقف كامل ودائم لإطلاق النار وبدء العملية السياسية. وجاء ذلك رغم أن الوزير السعودي أكد في وقت سابق أن «إعلان بكين» لا يعني «حل كل الخلافات بين الطرفين».
حرج إيراني
وفي وقت تسعى طهران الغارقة بالمشاكل الاقتصادية والمعيشية والمتحالفة مع جماعة «أنصار الله» الحوثية المسيطرة على صنعاء لتفادي إحراجها أمام الرأي العام الإيراني، سارع المتحدث باسم الخارجية ناصر كنعاني إلى القول بأن «الرياض كانت تريد بحث ملف اليمن في المحادثات ببكين»، مؤكدا أن «موقفنا واضح بأن الأزمة اليمنية شأن يمني».
وأمس، التقى وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان، سفير حكومة الحركة اليمنية المتمردة في طهران إبراهيم الديلمي، بالتزامن مع زيارة أجراها المبعوث الأممي لليمن هانز غروندبرغ للجمهورية الإسلامية حيث أشاد باتفاق المصالحة السعودي الإيراني. وكانت قيادات بـ «أنصار الله» في العاصمة اليمنية رحبت باتفاق بكين، غير أنها رفضت الربط بين التفاهم السعودي الإيراني والملف اليمني.
من جانب آخر، ذكر المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، أن «عرض مبادرة الوساطة العراقية بين إيران والسعودية كان بتوجه نابع من رؤية قائد «فيلق القدس» الراحل قاسم سليماني، الذي قتل بضربة أميركية قرب مطار بغداد، 2020، وقيل إنه كان يحمل رسالة دبلوماسية جوابية على مقترحات تقدم بها رئيس الوزراء العراقي آنذاك عادل عبدالمهدي من أجل نقلها إلى المملكة.
وأمس، غرد عبدالمهدي عبر «تويتر»: «إنا من اطلق الاتفاق» السعودي الإيراني متحدثا عن مكالمة أجراها سليماني معه، لطلب التواصل مع السعودية من أجل حل الخلافات، خلال تواجده في بكين. وأشار المسؤول العراقي السابق إلى أنه أطلع قادة الصين على طلب سليماني وهو ما قوبل بالترحيب. في موازاة ذلك، قال رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد خلال استقباله أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني الادميرال علي شمخاني في أبوظبي:«نعبر عن ارتياحنا لزيارة الأدميرال شمخاني ونبارك الاتفاق الأخير بين طهران والرياض الذي يعد خطوة حاسمة في تآزر وتقارب العلاقات بين البلدين». وأكد بن زايد أن «الإمارات مهتمة جداً ومستعدة لرفع العلاقات الثنائية إلى أعلى مستوى في جميع المجالات من خلال حل بعض سوء التفاهم بين البلدين».
وقال شمخاني خلال لقاء مع مستشار الأمن الوطني الإماراتي طحنون بن زايد آل نهيان، أن زيارته للإمارات «منطلق لبدء فصل جديد في العلاقات السياسية والأمنية والاقتصادية بين البلدين». وأضاف أن «التعاون والتقارب في منطقة الخليج يجب أن يحل محل الخلاف والعداء. نسعى من أجل التغلب على التحديات القائمة التي لا يصب استمرارها في مصلحة أي دولة في المنطقة». وأشار إلى أن وجود خلافات وانعدام ثقة بين دول المنطقة الاستراتيجية للخليج يشكل عقبة خطيرة أمام التنمية الاقتصادية للمنطقة ويطمع الأعداء من خارج المنطقة. وبحث طحنون مع نظيره الإيراني في قصر الشاطئ مختلف جوانب العلاقات الثنائية وفرص تعزيزها وتطويرها، بما يخدم المصالح المتبادلة للبلدين خاصة في المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية وأهمية بذل الجهود في سبيل استقار وازدهار المنطقة.
وقبيل مغادرته طهران بصحبة وفد رفيع يضم محافظ البنك المركزي ورئيس جهاز الأمن الخارجي، رأى شمخاني أن التطورات الأخيرة بحاجة لإنشاء منطقة قوية عبر دبلوماسية الجوار. وتحدث عن إمكانية أن تشهد المنطقة تطورات جديدة في العلاقات الثنائية والمتعددة الأطراف.