من صيد الخاطر: «الفطنة تغلب القوة»
قيل إن أسداً كان يحكم أرضا كثيرة المياه والعشب، وكان يعيش معه على تلك الأرض الغنية بخيراتها وطيباتها كثير من الحيوانات والطيور، إلا أن ذلك لم يكن يشعرها بالأمان لتسلط الأسد عليها، فهو ينهش فيها متى ما طاب له ذلك.
وذات يوم اجتمعت تلك الحيوانات على رأي، فأتت إلى الأسد، وقالت له: إنك لتصيب منا الدابة بعد جهد وتعب، وقد رأينا لك رأياً فيه راحة وصلاح لك وأمنٌ لنا، فإن أنت أمنتنا ولم تخفنا، فلك علينا في كل يوم دابةٌ نرسلها لك وقت غدائك.
وافق الأسد، وصالح الحيوانات على ما تم الاتفاق عليه، وصار لها ما أرادت، وحدث أن أصابت القرعة أرنبة لتصبح غداء للأسد، فقالت للحيوانات: إن أنتم رفقتم بي فيما لا يضركم، فإنني سأريحكم من الأسد، فسألوها مترددين: وما مطلبك؟ قالت: أن تأمروا الذي ينطلق بي إلى الأسد أن يتمهل ويتباطأ في المسير، فقالوا لها: لك ذلك.
اتجه بها مرافقها متباطئاً ووصل بها الى الأسد بعد أن جاوز وقت غدائه، تقدمت الأرنبة وحيدة الى الأسد وقد جاع، وأخذ منه الغضب مأخذه، وسألها: ما الذي أخّرك؟ فقالت: أنا رسولة الحيوانات: بعثوني إليك ومعي أرنب، فتبعني أسدٌ فأخذه مني، وقال لي بأنه أولى بهذه الأرض وما عليها منك، فقلت له: إن هذا غداء الملك فلا تغصبنّه، إلا أن ذلك الأسد سبّك وشتمك، فأقبلت مسرعةً لأخبرك، غضب الأسد وقال: انطلقي بي إليه.
انطلقت الأرنبة إلى جب عميق فيه ماء غامر صاف، وقالت للملك إنه هنا، أطل الأسد برأسه في الجب، فرأى ظله وظل الأرنبة في الماء، فظن أنه يرى غريمه الأسد والأرنب المخطوف، فما كان منه إلا أن وثب في الجب ليقاتل سارق وجبته إلا أنه غرق ومات.
عادت الأرنبة إلى الحيوانات وأعلمتهم بصنيعها في الأسد، وبذلك سلمت الأرنبة وتخلّص الجميع من تسلط ملك الغابة عليها، وتغلب الذكاء والفطنة على الجبروت والقوة الغاشمة.
ملحوظة: مقتبسة من كتاب «كليلة ودمنة» بتصرف واختصار.