نحن بحاجة إلى ثورة «كوبرنيقية»!!
نعلم أن العالم كوبرنيكوس ولأول مرة في حياة البشرية ينخلع من دوغما الاعتقاد والتسليم الخطأ بأن الأرض مركز الكون، لأن البشرية منذ زمن سحيق تتوهم كما يتراءى لعيونها أن الأرض ثابتة والشمس والنجوم والقمر تدور حولها، لكن كوبرنيكوس وفي لحظة ثورية نفض هذا الاعتقاد وكسر جدار الاستسلام وافترض أن الأرض هي من يدور حول الشمس، فانحلت كل العُقد وأسفرت الحقيقة عن جمالها وصدقيتها في ميادين العلم، وتدفقت الاكتشافات في كل حقول العلوم والمعرفة.
فقد انخلعت البشرية من ربقة كل مسلمات الماضي، وانفكت من هيمنة الدوغمائيات المتوحشة التي كانت تزرع في كيانها الشلل والأوهام، وتغلق مسامات الفهم لكشف الحقائق، فقد انفسح الطريق لكشف أسباب الظواهر الطبيعية كسبب الليل والنهار وفصول السنة، وسبب دوران الأرض حول الشمس دون اختلال حين تجلت قوة الجاذبية والطرد المركزية، والضغط الجوي وتمت إماطة اللثام عن الكواكب والنجوم والمجرات، وتكشفت حقائق عوالم الميكروبات المسببة للأمراض والعلاجات الدوائية، وتم استنباط وامتطاء قوى الطبيعة من البخار حتى الذرة... إلخ.
أرأيتم الخير الذي تفجرت ينابيعه من اللحظة الكوبرنيقية المتعالية الحرة؟ هذا ما حدث في المملكة العربية السعودية، انقلاب كوبرنيقي زلزل الأرض بقوة تحت أبنية ثقافية هشة، حتى أننا في نخشى من قوة الزلزال أن تنزلق عن مدارات الطبيعة في بعض حقول التطوير، في الوقت الذي نرى وطننا تائهاً في فضاءات متخلفة من العشوائية وتستوطن فيه كل الأمراض الحضارية، لذلك يهيمن عليه شلل مُقْعِد يقذف به في ثقب أسود.
السعودية تستأصل الفساد بكل أشكاله، وعلى كل المستويات، وتدمر كل سلطة تتحدى سلطة الإصلاح والتطوير بلا هوادة، وتفرض هيبة القانون وقوته الصلبة التي تلوي السلوك الشعبي بعمق وفق القوانين والتطوير، السعودية تأخذ بآخر ما تفتق عنه العقل البشري من أساليب ووسائل وأدوات لتشتلها في البيئة السعودية بعد أن مهدت لها الأرض وطهرتها من طرق وأساليب عتيقة عقيمة، وبعد أن اجتثت الفساد بكل أشكاله.
السعودية كما يقول أحد مسؤوليها لم تحكمها دوغمائيات الوطنية الزائفة، فقد استعانت بكل الخبرات والعبقريات وشرَّعت أبوابها لهذه العقول والكفاءات، ولم ترتهن لخبرات دول المتخلفة والخبرات المحلية الخائبة، فتوصلت لأفضل أداء في معالجة كل المشكلات طبعا، ونفذت الخطط والحلول والقوانين بصلابة تقطع صخور قوى الفساد والتخلف وتجبرها على التكيف مع مقتضيات إرادة التغيير والتطوير.
طبعاً لم تصغ القيادة السعودية لصوت الإحباط والتعذُّر بالعادات المتخلفة وقوة الفساد وقوى التعويق وعمقها وتوحُّشها، بل لم تصغ لثرثرة المُنظرين وفلاسفة التخلف المتعاطين لأفيون ثقافة اليأس والتلذذ بالتسكع بين أروقة النقد الفارغ، بل لاذت السعودية بعلماء التخطيط وخبراء الصناعة والعقليات العملية بوضع خط تحت العملية وأدخلتهم ميادين وورش العمل والبناء، وأتاحت لهم إدارة عملية التدريب والتأهيل وأخذت بأقوالهم لتحولها إلى واقع دون الدخول في قاعات الثرثرة والبهرجة الإعلامية.
الكلمات والخطاب هناك يخرج من الفم ليعانق الوجود والتنفيذ الفوري المخطط بالساعة، فما يستغرق عندنا عشرات السنين في التنفيذ يستغرق في الكون السعودي بضعة أشهر، وجامعة نورة كمثال 24 شهراً، والبوليفارد 4 أشهر، ولم يأتِ هذا إلا بعد دوران الكوكب السعودي حول العلم لا العكس.