وقفة: عامل الناس كما يعاملونك
عند زيارتي لإحدى الدول الإسلامية غير الناطقة باللغة العربية، والمعروف عن كثير من أفراد شعبها نظرتهم المتعالية التي تحمل الكثير من الازدراء تجاه العرب تحديداً، وكنت في الحقيقة متأهباً لمثل هذه المواقف، وقد يفهم القارئ أنني سأرد عليهم الكلمة بعشر أمثالها، امتثالاً للقول الخطأ «عامل الناس كما يعاملونك»، لأن هذه الثقافة أصبحت للأسف منتشرة في عصر السوشيال ميديا والمسلسلات الهابطة، التي لا تدعم الأخلاقيات الحسنة.
وأستذكر هنا قول عباس محمود العقاد: «الناس فيهم الكاذب والخائن والمخادع، فلو عاملت كل إنسان بما فيه من صفته لاجتمع فيك ما تفرّق فيهم فتصبح أحط الناس، لذلك: عامل الناس كما تحب أن يعاملوك». طيب وإن عاملت الناس بالحسنى ولم يعاملوك بالمثل؟ إن كان هدفك أن تعامل الناس على أمل أن يردوا اليك بالمثل فستصطدم بالواقع المرير الذي نعيش فيه، وسينتابك خيبات الأمل، لكن استبدلها بالعبارة التالية: «عامل الناس بصفات طباعك الحسنة لا بطباعهم السيئة».
دعوني أحكي لكم هذه القصة لعلها تقرب لكم المعنى: جلس عجوز حكيم على ضفة نهر وراح يتأمل الجمال المحيط به ويتمتم بكلمات، وفجأة لمح عقرباً قد وقع في الماء وأخذ يتخبط محاولاً أن ينقذ نفسه من الغرق.
قرر الرجل أن ينقذه، فمدّ له يده، لكن العقرب لسعه، فسحب يده صارخاً من شدّة الألم، ولم تمض سوى دقيقة واحدة حتى مدّ يده ثانية لينقذه، فلسعه العقرب، فسحب يده مرة أخرى صارخاً من شدة الألم، وبعد دقيقة أخرى راح يحاول للمرة الثالثة أن ينقذ ذلك العقرب، وعلى مقربة منه كان رجل آخر يجلس ويراقب ما يحدث فصرخ قائلا: أيها الرجل، لم تتعظ من المرة الأولى ولا من المرة الثانية وها أنت تحاول إنقاذه للمرة الثالثة.
لم يأبه الحكيم لتوبيخ صاحبه، وظل يحاول حتى نجح في إنقاذ العقرب، ثم مشى باتجاهه وربّت على كتفه قائلاً يا بني: من طبع العقارب أن «تلسع» ولاغرابة في ذلك، وأنا من طبعي أن أحب وأعطف، فلماذا تريدني أن أسمح لطبعه أن يتغلب على طبعي؟
لا تعامل الناس بطباعهم السيئة بل عاملهم بطبائعك النبيلة، فقد يجرحونك في بعض الأحيان، وتجد من يدفعك للتخلي عن صفاتك الحسنة بالرد عليهم بالطريقة نفسها التي عاملوك بها، لكن لا تكترث، وتذكر قول الله عز وجل: «ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ».