وجهة نظر: أزمة اقتصادية مصطنعة
يعيش العالم لحظات قلق من نشوب أزمة اقتصادية جديدة شبيهة بالأزمة التي حدثت عام 2008م، ويبدو أن وتيرة الأزمات قد تسارعت، فبعد أن تعود العالم على حدوث أزمة كل 20 عاماً، أصبح يواجه أزمة كل ما دون عشر سنوات، وعادة ما يمكن تجاوز الدول للأزمات الاقتصادية أو تقليل أضرارها بطريقتين:
الأولى: متانة اقتصاد الدولة ومرونته في امتصاص قوة الأزمات.
الثانية: التنبؤ بالأزمة قبل حدوثها واتخاذ إجراءات التعامل معها.
وهكذا تعاملت الصين مثلاً مع الأزمة العالمية عام 2008م من خلال مرونة اقتصادها ومتانته، فكانت أضرار الأزمة محدودة على الاقتصاد الصيني، في حين كانت الولايات المتحدة إحدى الدول الأقل تضرراً من الأزمة أيضاً والتي تسببت هي بها من خلال بنك ليمان براذرز، وقد تجاوزتها عبر ما يعتقد أنه تنبؤ مبكر بالأزمة.
واللافت في العقود الأخيرة أن شرارة كل أزمة اقتصادية أو سياسية تنطلق من الولايات المتحدة، وتكون الولايات المتحدة أقل الدول تأثراً بها وتضرراً منها، فالعالم يعيش اليوم قلقاً متزايداً بسبب انهيار بنك سيليكون فالي الأميركي، ولأننا تعودنا أن تنشأ في الولايات المتحدة بنوك بأسماء هوليودية وتموت أخرى بأسماء هوليودية أيضاً، فإن لحاق سيليكون فالي بليمان براذرز لن يغير في عدد البنوك الأميركية شيئاً، إذ لا يًفلس بنك إلا ويتم إنشاء آخر باسم شبيه ومهام شبيهة.
ولأن مسألة التنبؤ بالأزمات مجرد اعتقاد غالباً ما يكون غير صحيح، فإن الاعتقاد بأن عملية الإفلاس مصطنعة وبإشراف الدولة على أسوأ الاحتمالات هو الأقرب إلى الواقع، وهو الأكثر منطقاً لفهم حقيقة التنبؤ بالأزمة، حيث يقود التوسع بالشكوك إلى الوصول للحقيقة أكثر، فالخزانة الأميركية تعودت أن تطبع كميات الدولار كيفما تشاء ودون حسيب أو رقيب ودون أن تخضع عملية طباعة الدولار إلى القوانين والإجراءات التي تعتمدها الدول في طباعة عملاتها.
إن فكرة الإفلاس المصطنع الذي تروج له بعض الكتابات الاقتصادية الغربية والذي تقوم من خلاله الخزانة الأميركية بضخ مئات المليارات من الدولارات المطبوعة بعيداً عن قواعد الطباعة الدولية بعذر تغطية ودائع المودعين وتوفير السيولة اللازمة لتجاوز أزمة الانهيار هي الطريقة الأميركية المتبعة باستمرار، والتي يتم من خلالها ضخ مئات المليارات كل (كم سنة) لضبط مصروفات الدولة وترك العالم يعاني ارتدادات الأزمة التي صنعتها وتركت غيرها يعانيها.
إن الاعتقاد بإمكان دخول الاقتصاد الأميركي في أزمة حقيقية كبرى مستبعد لأن الأميركيين صنّاع أزمات دائماً ولن يكونوا ضحاياها، فقد تعودنا على عكس الإرث المتوارث أن ساقي السم لا يذوقه وحافر الحفرة لا يقع فيها، وإنما يذوق السم من يظنه ماءً ويقع في الحفرة من يتفاجأ بها.
وقد يكون للاقتصاديين رأيٌ مخالف لهذا الرأي، لكني سأقول كما قال الفرزدق حين قيل له إن فلاناً النحوي يقول إنك أخطأت في البيت الفلاني، فما كان منه إلا أن قال: «نحن نقول وما عليهم إلا أن يتأولوا لنا»، فنحن- معشر الكتّاب- نكتب وما على الاقتصاديين إلا أن يتأولوا لنا.