مصر تنتظر تنفيذ «اتفاق بكين» وإشارات واضحة قبل الانفتاح على إيران
ألقى الاتفاق السعودي - الإيراني بظلاله الكثيفة على شبكة العلاقات المعقّدة لمنطقة الشرق الأوسط، في ظل رغبة طهران في الانفتاح على بقية العواصم العربية، لذا كان طبيعيا أن تتجه الأضواء إلى القاهرة، فعاد الحديث عن مستقبل العلاقات المصرية - الإيرانية، خصوصا مع توالي إشارات إيرانية بالمضي قُدما في طريق استعادة العلاقات مع أكبر دولة عربية سكانا.
وحتى الآن، لم تتجاوب القاهرة مع الإشارات الإيرانية حول الرغبة في استعادة العلاقات، بعدما قال المتحدث باسم «الخارجية» الإيرانية، ناصر كنعاني، في مؤتمر صحافي الاثنين الماضي، إنه من المحتمل أن تتوصل إيران إلى اتفاق مع دول عربية أخرى، بما فيها مصر.
كنعاني الذي شغل منصب رئيس مكتب رعاية المصالح الإيرانية في القاهرة قبل منصبه الحالي، شدد على أهمية العلاقة بين البلدين، وأهمية مصر باعتبارها «دولة مهمة في المنطقة»، وتابع: «المنطقة بحاجة إلى التآزر بين إيران ومصر، ونحن نؤمن باتخاذ خطوات جديدة لتحسين العلاقات»، لكنه تحدّث عن أن العلاقات الدبلوماسية طريق ذو اتجاهين، في إشارة لانتظار الخطوات المصرية ذات الصلة.
وقالت مصادر مصرية مطلعة، لـ «الجريدة»، إن هناك قنوات تواصل في عدد من الملفات ذات الاهتمام المشترك بين البلدين، لافتة إلى لقاءات المسؤولين المصريين والإيرانيين التي تمت في الآونة الأخيرة، لكنّها أكدت أن مصر تنتظر لترى مصير الاتفاق السعودي الإيراني، وتنفيذه على أرض الواقع، كما تريد إشارات واضحة من الجانب الإيراني فيما يخص التوقف عن التدخل في شؤون الدول العربية. من جانبه، قال المحلل السياسي عبدالله السناوي، لـ «الجريدة»: «إن الحديث المصري مع إيران والتهدئة مع تركيا من الضروريات للدولة المصرية، فهناك مشاكل طبيعية لا بدّ من الاعتراف بها، لكن لا بديل عن التواصل والحوار المباشر، خصوصا أن إيران وتركيا دولتان كبيرتان في الشرق الأوسط، وهناك إلحاح إيراني لإعادة العلاقات المقطوعة منذ عام 1979، وتجاوز مرحلة الحوارات مع الإيرانيين والحوثيين على المستوى الأمني، والانتقال إلى المستوى الدبلوماسي العلني».
وعبّر السناوي عن استيائه من أداء الدبلوماسية المصرية بسبب تأخرها في اتخاذ خطوتين «الأولى البدء في الحديث مع الجانب الإيراني، وهو مستوى أقل من الاتفاق، لاستيضاح الصورة، والثانية عدم اتخاذ خطوة عودة العلاقات مع سورية، وهو قصور في أداء الدبلوماسية المصرية، لأنّ المصالحة السعودية - الإيرانية ترفع الكثير من الحساسية عن ملف عودة العلاقات المصرية - الإيرانية».
وأشار إلى أن القاهرة أصبحت أمام خيارين: «الأول تأجيل إعلان اتخاذ خطوات لعودة العلاقات مع إيران، حتى لا تتهم بأنها اتخذت هذه الخطوة بعد السعودية، ما يجرح الكبرياء المصرية، أما الخيار الثاني فهو أن تمتنع القاهرة عن إعادة العلاقات مع إيران، بما يشكّل تخلّفا دبلوماسيا وتصادما مع حقائق القوة والمصالح العليا».
وشدد المفكر الناصري على أن من مصلحة مصر أن تكون طرفا في المصالحة السعودية - الإيرانية، وأضاف: «قد تكون مصر خسرت معنويا بإجراء المصالحة السعودية - الإيرانية بعيدا عنها، لكنّ عمليا تستطيع أن تتدارك ذلك، وأن تحصد مكاسب إقليمية إذا انخرطت في المصالحة».
من جهته، قال الخبير في الشأن الإيراني د. يوسف بدر، لـ «الجريدة»، «تكررت إشارات التقارب بين مصر وإيران، من اجتماعات أمنية واجتماعات جانبية، لكنها كانت دائما في حاجة إلى مناخ يساعد على دفعها للأمام، لذلك يأتي الاتفاق على عودة العلاقات بين السعودية وإيران، في إطار تهيئة الأجواء لإمكانية وقوع تقارب بين القاهرة وطهران، خاصة أن مصر من أوائل الدول التي أعلنت دعمها لاتفاق المصالحة». وأشار بدر إلى أنه «يمكن القول إن إيران قد تجاوزت مسألة كامب ديفيد، وتتعامل الآن بنظرة واقعية تسعى لخلاصها من عزلتها الإقليمية، لكن يجب القول أيضًا إن الطريق لعودة العلاقات بين القاهرة وطهران ما زال يواجه الكثير مما يجب أن تفعله طهران، حتى تضمن القاهرة علاقة مستقرة وهادئة وبعيدة عن تقلّبات المزاج الإيراني».
أما بالنسبة إلى مصر، فقال بدر: «عودة العلاقة تمثّل إضافة في مسار استقلال القرار المصري على المستوى السياسي، إذ سعت مصر منذ حكم الرئيس السيسي إلى تحقيق علاقات خارجية متوازنة ومتنوعة بهدف تحرير القرار المصري من الضغوط الخارجية، خاصة أن مصر تواجه قوى إقليمية منافسة، مثل تركيا وإسرائيل، وكذلك المساعي الإقليمية للبحث عن ممرات تجارية جديدة منافسة لقناة السويس».