تابع تقرير الشال موضوع أزمة بنك «سيليكون فالي»، وبين أن الحال للدول ليس مثل الحال للأفراد أو الشركات، إصابة الأفراد أو الشركات في حال اتخاذهم قرارات خاطئة ينحصر ضررها بالفرد أو مجموعة المساهمين، بينما خطأ الدولة يدفعه كل الناس ولأجيال عديدة قادمة.
لذلك، يبقى القرار الحصيف على مستوى الدول هو التحوط من أسوأ سيناريو، ولا بأس من الأمل في الأفضل، وفي بلد فريد في وضعه يولد فيه القطاع العام 70% من اقتصاده، ويوظف 83.6% من عمالته المواطنة، وفيه مئات الألوف تنتظر الوظيفة، وفي وضع فيه إيرادات النفط تمول 90% من نفقات موازنته العامة، تكلفة خطأ عدم التحوط غير محتملة.
بداية، نعتقد أن بنك الكويت المركزي قام سريعاً بإعلان صحيح حول ضآلة تأثير أزمة بنك سيليكون فالي على القطاع المصرفي الكويتي، ونتوقع منه مواقف سريعة مماثلة وفق تطورات الأزمة، خاصة إن طال التعثر بنوكاً كبيرة.
على مستوى الاقتصاد الكلي، سوف تبدأ السنة المالية 2023-2024 بعد أقل من أسبوعين، بموازنة ارتفع مستوى نفقاتها عن مستوى نفقات السنة المالية الحالية 2022-2023 بنحو 11.7%، وبلغت نفقاتها رقما قياسيا بحدود 26.3 مليار دينار، مع انحراف تخصيص النفقات بطغيان النفقات الجارية بارتفاع نسبتها من 87.5% للموازنة الحالية إلى 90.5% للموازنة القادمة.
وللتذكير فقط، تبلغ نفقات الموازنة القادمة نحو 6.5 أضعاف حجم نفقات موازنة السنة المالية
1999-2000، وأي إسقاط على المستقبل وبأدنى معدل للنمو في مستوى النفقات، سوف يجزم بعدم استدامتها، أو ينذر بحريق للمالية العامة تستحيل السيطرة عليه، أو ما أسماه كل مستشاري الحكومة الأجانب، بالاصطدام بالحائط.
وأياً كان السيناريو المحتمل، سوف يؤثر على جانب الطلب على النفط ويضغط على أسعاره وربما إنتاجه إلى الأدنى، وقد فقد برميل خام برنت في أسبوع واحد ما بين 9 و15 مارس الجاري نحو 9%، وقد يتضاعف الأثر السلبي على أسعار وإنتاج النفط إن توقفت الحرب الروسية الأوكرانية.
وأياً كان السيناريو المحتمل، سوف يتسبب في انخفاض أسعار الأصول المالية، وحتى نهاية الأربعاء الفائت 15/03/2023، فقد المؤشر العام لبورصة الكويت 2.8% وفقد «داو جونز» 1.2% خلال أسبوع واحد، إلى جانب خسائر الاستثمار في السندات، وسوف تستمر البورصات في حالة من التذبذب الحاد، وعليه سوف تفقد مدخرات النفط جزءا من قيمتها، وقد تكون الخسارة صغيرة ومؤقتة في حال تحقق السيناريو الأول، وقد تكون مؤلمة في حال تكرار سيناريو عام 2008.
وبينما تتحكم متغيرات سوق النفط ومتغيرات بورصات العالم في مصير الكويت، لا تأثير للإدارة العامة في الكويت على تلك المتغيرات، وواجب الإدارة العامة في الكويت أن تتحوط لسيناريو مشابه لما حدث في عام 2008.
ولإعطاء مؤشر على حركة تلك المتغيرات في تلك الحقبة، فقد «داو جونز» نحو 33.8% من مستواه في عام 2008، وفقد مؤشر الكويت الوزني يومها نحو 43.1% من مستواه.
وفقدت إيرادات النفط في السنة المالية 2009-2010 نحو 15.9% من مستواها، وفي أحداث أخرى فقدت إيرادات النفط نحو 46.3% من مستواها في السنة المالية 2015-2016، وفي زمن جائحة كورونا فقدت إيرادات النفط 42.8% من مستواها في السنة المالية 2020-2021.
ما يحدث في الكويت حتى هذه اللحظة هو سياسة مبرمجة لزيادة السرعة واختصار وقت الاصطدام بالحائط، ولعل حدوث الأزمة متزامناً مع تشكيل جديد للحكومة، يعيد بعض الوعي بحجم المخاطر القائمة والمحتملة، ورغم اعتقادنا بأن الأمل ضعيف في استعادة الوعي، لكن، لا بأس من التمسك بالأمل، وليت الأمر يبدأ بتشكيل فريق أزمة محترف يتابع تطوراتها أولاً بأول.