وأد الفتنة حدث تاريخي عظيم
ما تم الإعلان عنه من عودة للعلاقات الدبلوماسية بين الجارتين الكبيرتين المسلمتين، المملكة العربية السعودية وجمهورية إيران الإسلامية قرار تاريخي له بالغ الأهمية لكل المسلمين.
تفكير الحكماء وتطبيق لغة العقل والمنطق، واحتواء ما يحاك للأمة الإسلامية هو قمة العقلانية، وهذا ما ترجمه القرار التاريخي المذكور.
لسنا بوارد تخطئة أحد الأطراف والجميع معرض للأخطاء، لكن إعادة النظر في الأمور غير السليمة ينم عن فضائل تمتلكها الأطراف المعنية بالأمر، ولا شك أن المستفيدين من التوتر والعيش على صفيح ساخن سيشككون في هذا الاتفاق، وسيحاولون إفشاله بزرع الفتن بين الطرفين، كونهم لا يروق لهم العيش من غير تسخين المنطقة لبيع السلاح وتكريس وجود المستعمرين لِنزف وشفط خيرات المنطقة، فالأفضل لجميع الدول الإقليمية التحاور والتصالح وترجيح لغة العقل على لغة الحرب، ولهذا لا نستبعد، أن تقوم بعض الأيادي الخفية الاستعمارية، بإشعال الفتن من جديد بين القوتين الإقليمتين (الجارتين المسلمتين)، وسيقلبون الإيجابيات الناتجة عنه إلى سلبيات من أجل إفشال هذا الاتفاق، والذي يعتبره الكثير من مصلحة المنطقة أن تعيش مع هذا الاتفاق المبرم.
بالمقابل نحن مطمئنون، ونرى هذين الطرفين في الاتفاق المبرم، يعيان ويدركان ما يدار ضدهما ويعلمان أنه تقتضي مصالحهما المصالحة، والحوار، بدلا من العداء المستمر.
لا نريد أن نشكك في النوايا الخبيثة فيما يسطره بعض الكتاب الذين تعودنا عليهم عدم «الروقان» في أي مصالحة إقليمية، وكأنهم أحد أطراف العداء في المنطقة، أو لهم صلة بالمستعمرين، وإلا هل يعقل أن يقوم بعض الكتّاب بتسخيف هذا الاتفاق العظيم، ولا نعلم لماذا الإصرار على الترهيب والتخويف من جارة مسلمة ضد أخرى؟ هل من أجل تكريس الهيمنة الأميركية وإبقاء الشرق الأوسط تحت الحماية الأجنبية والاستعمار إلى أبد الآبدين؟
نحن نرى بعيدًا عن الأيديولوجيات العقائدية أن الاتفاق بين محورين رئيسين مهمين في المنطقة، يصب في مصلحة الناس والعباد، ويبعد عن إقليمنا شبح الحروب والتدخلات الخارجية، كما يخلصنا من التوترات العقائدية التي من المفترض أن يتم التعاضد بين المسلمين لدحضها، وبالتالي «تقوية» الدين الإسلامي.
كما أن لهذا الاتفاق جوانب إيجابية، وهي جعل دول المنطقة تغير مساراتها الاستراتيجية من التسلح لضمان أمنها، من جراء التوتر المشتعل منذ أكثر من أربعة عقود إلى التوجه نحو المسارات التنموية التي أُهملت منذ عقود، ولهذا حان الوقت للتركيز على التنمية المستدامة بشتى مجالاتها (الاقتصادية والاجتماعية والبيئية).
أعلم لماذا لا يهنأ لبعض الكُتاب العيش إلا بتوتر العلاقة بين الجارتين المسلمتين، المملكة العربية السعودية الشقيقة وإيران، بل لا يعيشون بارتياح إلا بتسخين المنطقة بتوتر العلاقة بين أكبر محورين رئيسين في المنطقة، فهذه الفئة- أكثر ما يقال عنها- فئة مارقة ولا تنتمي إلى الإسلام الحقيقي الذي يدعو إلى الوحدة بين المسلمين، في قوله تعالى: «وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ».
وإذا كان هذا الاتفاق يقلقكم ويجعل نفسياتكم تضطرب، فهل تريدون أن تتفق دول الإقليم مع إسرائيل عوضا عن إيران، أم يستهويكم التحالف مع الشيطان الأكبر بدلا من جيرانكم؟ إنها قسمة ضيزى ورأي جائر.
* كاتب بحريني