بيع وتجارة المياه ليسا أمراً مستحدثاً فقد عرفته البشرية والمنطقة منذ زمن بعيد، فأكثر مشاريع البيع شهرة وإثارة للجدل كان مشروع أنابيب مياه السلام التركي الذي اقترحه الرئيس تورغوت أوزال عام 1987 يرمى إلى تحويل 6 ملايين متر مكعب من المياه يومياً من نهري سيحان وجيحان إلى كل من سورية والأردن، إضافة إلى دول الخليج العربي من خلال خط يبلغ طوله 6600 كلم.

هذا المشروع أثار العديد من الانتقادات والرفض لأنه سيستخدم كوسيلة للضغط أو للقطع من قبل الدول المصدّرة ولذلك فشل الاقتراح ودفن في مهده.

Ad

اليوم قرأنا أن إحدى الشركات الكويتية ترغب في استيراد كميات من المياه من طاجيكستان عبر البحر، عن طريق باكستان، وذلك لقرب المسافة البحرية بين البلدين لإيصالها إلى الكويت؟

من الناحية التجارية ليس هناك ما يمنع، لكن المسألة اليوم تطرح من زاوية أخرى، وهي أن تتحول الكويت على سبيل المثال أو الدول الفقيرة مائياً إلى دول مستهلكة للمياه تعتمد على هذا النوع، بهدف تأمين احتياجاتها الكاملة من مياه شرب وصناعة وزراعة وإنتاج طاقة.

بيع وتجارة المياه في عدد من الدول أمر تخطى هذه الحدود ودخل في صلب الموضوع، وفي أميركا أدرجت أسعار حاويات النقل والكميات في البورصة وصار الحجز لسنوات قادمة، وبأسعار أرخص من أكثر عقود البيع رواجاً وفي ولايات تعاني التصحر والقحط.

الموضوع في حالة الكويت وبلدان الخليج العربي مازال في طور الاقتراحات والمشاريع والمبادرات ولم تعتمد أي دولة خليجية بعد الذهاب إلى استيراد المياه بالحاويات والسفن أو بواسطة خطوط الأنابيب، نظراً لمخاطرها أولاً وتكلفتها السياسية والسيادية، وباعتبارها تدخل في جوهر الأمن المائي القومي للدولة، وهي مسألة سيادية بالغة الأهمية، وهذا بخلاف نقل كمية تجارية بواسطة الناقلات الضخمة من هذا البلد أو ذاك وبيعها في السوق الخليجي فتلك حالة تجارية محضة، قد تجد لها زبائن أو يتم القبول بها من باب التجربة،

دول الخليج العربي تعتمد في حياتها وبقائها على تحلية المياه من البحر بنسبة 99 في المئة، وهذا عنصر أمان لها لا ينازعها فيه أو يشاركها أحد في ذلك، دع عنك موضوع التلوث الذي قد تعرض إليه البحار أو الإشعاع النووي الذي قد يأتيها من إيران أو غيرها.

وبدون الدخول في الجوانب المالية وحسبة التكلفة الاقتصادية والمفاضلة بين سعر برميل المياه المحلى من البحر وبين آخر ينقل بواسطة السفن أو عبر خطوط الأنابيب، تبقى المسألة الأكثر أهمية، هي من يتحكم في هذا المورد، أو يترك هكذا ويخضع لحركة العرض والطلب في السوق العالمي للمياه أم يتعرض للتهديدات والابتزاز من الدولة المصدرة؟

أسئلة قد يعترض عليها البعض ويعقد مقارنة بينها وبين سلعتي الغاز والنفط، وغيرهما من الموارد الحيوية التي باتت تتداول وتنقل بين من يملك تلك الموارد وبين من يستهلكها ويحتاج إليها، فإذا كان النفط يصدر إلى أسواق العالم وينقل بواسطة السفن والحاويات فلماذا لا ينطبق هذا الأمر على نقل المياه وبيعه في السوق العالمي ضمن ضوابط واتفاقيات دولية وخلافه؟

الواقع أن المياه باتت سلعة ذات قيمة استراتيجية وعالمية، فالدول التي تملك فائضاً من المياه ستعزز قوتها الاقتصادية وموقعها في المحيط الجغرافي، وأقرب دولتين هما تركيا وإثيوبيا، فهما من الدول الغنية بالمياه وبوسعهما التحكم في هذه السلعة، ونحن هنا لا نتحدث عن مياه الأنهار المشتركة والعابرة للحدود مع جيرانها، بل عن دول تتساقط فيها الأمطار وتحوي في باطن أرضها مياهاً جوفية وأنهاراً تفيض عن حاجتها تسعى إلى الاستثمار فيها والاستفادة من هذه الثروة.

أتذكر في هذا الشأن خطاباً للرئيس تورغوت أوزال، وبما معناه عندما أثيرت قضية المياه في الثمانينيات من القرن الماضي، قال «لكم نفطكم ولنا مياهنا، وإذا كنتم ترفضون أن يشارككم أحد في ثروتكم النفطية القابعة تحت الأرض ولديكم سيادة عليها فنحن في موضوع المياه نفعل الشيء ذاته»، وكان يقصد مياه الأنهار المشتركة.