عبدالله النيباري... وطن في رجل
• «دينامو» متوقد بالإصرار والعطاء وبوصلة دقيقة لمحبي الديموقراطية
كان لعبد الله النيباري معرفة وإلمام كبير بالاقتصاد بشكل عام والاقتصاد النفطي خاصة، حيث مكنه عمله في شركة البترول الوطنية الكويتية، من أداء دور متميز في فترة الستينيات عندما كان حينها الصراع على أشده من اجل تثبيت الديموقراطية وترسيخها، لأنها كانت فكرة هشة وصغيرة بدأت جذورها عند اختيار الشيخ صباح الأول حاكما للبلاد، وهو أسلوب الشورى الذي واظب عليه الكويتيون فيما بعد لاختيار حكامهم، ومن هنا جاءت فكرة الدستور كنتاج طبيعي لذلك التاريخ، وجاء قرار انتخاب المجلس التأسيسي ومن بعد ذلك صياغة الدستور كبداية لمرحلة جديدة من بناء الدولة الحديثة.
حينها لم يكن للنيباري دور مباشر لأنه لم يكن عضوا في المجلس التأسيسي ولا حتى في مجلس 1963 لكن دوره حينها كان واضحا وبارزا ومباشراً في العمل المجتمعي من خلال نادي الاستقلال وجريدة الطليعة التي زاملته فيها لاحقا بعد وفاة المرحوم سامي المنيس، والدور التثقيفي والتوعوي الرئيسي الذي اضطلعت به هذه الصحيفة من خلال ما كان يقدمه النادي من محاضرات وما تنشره «الطليعة» من آراء ومقالات وما تتبناه من قضايا.
كان أبو محمد احد الأعمدة الرئيسية فيها، لأنه كان كثير العطاء كما وكيفا، وكان لإسهاماته في هذا المجال أثرها البالغ على جيل الشباب والناشئة الذين كان منهم نظرا لصغر سنه في تلك الفترة مقارنة بأعمار رموز العمل الوطني الذين كانوا ينتمون إلى جريدة الطليعة ونادي الاستقلال، ومن أبرزهم د. أحمد الخطيب وجاسم القطامي وسامي المنيس وأحمد النفيسي، وكان دور النيباري متميزا بين كل هؤلاء بسبب تخصصه في المجال النفطي، وبسبب إمكانياته وقدرته على العطاء في مجالات قد لا يتخصص فيها الآخرون، وأنا شخصيا لم أعاصر هذه المرحلة لكنني اطلعت عليها من خلال قراءاتي واحتكاكي بالزملاء المشاركين.
تباين المواقف في انتخابات 1971
ويسجل لعبدالله النيباري وجيل الشباب آنذاك تصديهم للحدث الخطير الذي شهده مجلس 1967 حين قامت الحكومة بتزوير الانتخابات بطريقة مفضوحة - واعترفت الحكومة بذلك لاحقا – غير أن الدور الأقوى للنيباري كان حين خاض انتخابات مجلس الأمة لعام 1971، فقد شهدت الحملات الانتخابية في هذه الفترة خلافاً كبيراً بين مجموعتين وطنيتين، هما جماعة القطامي أو التجمع الوطني وجماعه د. الخطيب والطليعة، أي مجموعة التقدميين الديموقراطيين التي كان النيباري ينتمي إليها، والسبب في هذا الخلاف هو تباين المواقف والآراء من المشاركة في انتخابات هذا المجلس، ففي حين دعا التجمع الوطني إلى مقاطعة الانتخابات، ورفض المشاركة فيها حتى لا تكون المشاركة بمثابة قبول ما فعلته الحكومة بتزويرها انتخابات 1967، رأى التقدميون الديموقراطيون أنهم بعزوفهم عن المشاركة يكونون قد قدموا المجلس هدية طالما انتظرتها الحكومة لتواصل ضربها للديموقراطية.
تصديه لاتفاقية المشاركة النفطية
وعليه فقد خاضوا انتخابات مجلس 1971 وكان عبد الله النيباري من النواب المميزين جدا لاسيما في تصديه للقضايا الاقتصادية – وتحديدا ما يختص منها بالقطاع النفطي – إذ إن معلوماته في هذا الجانب فاقت كل وزراء الحكومة دون استثناء وهو الضليع والمتمرس في مجاله.
ولعل ما يسجله التاريخ البرلماني الكويتي للنيباري في هذا الشأن، هو مهارته وقدرته في تلك الفترة على إقناع أغلبية النواب بمن فيهم الموالون للحكومة، لتأييد طرحه فيما يختص باتفاقية المشاركة النفطية، ورغم أنه وزملاءه الوطنيين كانوا قلة لكن تأثيرهم كان كبيرا على قرارات المجلس، فحين اعتلى المنبر، دافع بشراسة عن ثروة الكويت النفطية، معتبرا أن قبول الكويت لاتفاقية المشاركة هي «سرقة علنية» لمقدرات وثروات البلاد.تصديه للقضايا الاقتصادية كشف تفوق معلوماته النفطية على كل وزراء الحكومة دون استثناء
تأميم الثروة النفطية
وباستخدام الورقة والقلم، وبلغة الأرقام وباستخدام الآلة الحاسبة، كان النيباري يشرح للحضور ماذا قد يحدث للكويت ولمستقبل الأجيال ولثروات البلاد، وماذا ستخسر سنويا وشهريا بل وأسبوعيا ويوميا من أموال لو وافقت الحكومة الكويتية على اتفاقية المشاركة النفطية.
وقال النيباري حينها بصوت جهوري: «علينا تأميم ثروتنا النفطية فنمتلكها، ومن ثم نحن من يعرض عليهم العمل معنا ونحن من نجني العوائد من نفطنا لا هم، وسنعمد حينها إلى توقيع عقود (خدمة) مع الشركات لتقدم هي لنا خدماتها التي نحتاجها منها مقابل أجر، لا أن تأخذ هي الثروة وتعطينا الفتات»، وأمام هذا الدفاع المستميت، والشرح الوافي والكافي والمقنع، استجيب لطلب النيباري، فرفض مجلس الأمة اتفاقية المشاركة، ثم أممت الحكومة الثروة النفطية في مجلس 1975.
وإلى جانب ذلك، أسهم النيباري إسهاما فاعلاً على مستوى المنطقة والوطن العربي من خلال الندوات والمناظرات التي كان يدعى للمشاركة فيها وعلاقاته بشخصيات مؤثرة جداً في القرار النفطي في المنطقة، بمن فيهم الأستاذ عبدالله الطريقي بخصوص حماية الدول لثروتها النفطية الوطنية.التاريخ البرلماني يسجل له مهارته في إقناع أغلبية النواب وفيهم موالون للحكومة برفض اتفاقية «المشاركة النفطية»
فن الممكن وكسب الآخر
لقد كان لعبد الله النيباري قدرة هائلة على كسب الآخر وهذا أمر يحسب له، إذ إن أغلب الساسة لا يستطيعون تحمل العمل مع الخصوم السياسيين، لكنه كان يرى ضرورة التنسيق مع الآخرين كجزء أساس من العمل السياسي، وهو يعرف جيدا حين يلتقي بالآخرين حدود الاتفاق والاختلاف، فيستثمر نقاط الاتفاق دائما لينطلق منها لمواقف أخرى كثيرة متقدمة، وكان يستخدم ويسخر كل قدراته السياسية والاقتصادية للعمل التنظيمي في محاولة منه لكسب ما يمكن كسبه وتحقيقه لكل القوى السياسية المؤيدة للعودة إلى العمل الدستوري سواء كانت مدفوعة إلى ذلك أو مقتنعة ومؤمنة به... فكان بذلك يحرجها ويسحبها للعمل الجماعي من أجل المصلحة العامة، وهو ما عبر عنه في درس سياسي كبير بأن «علينا أن نسحب الآخر إلى جانبنا كي نخطو إلى الأمام ولا يهم بعدها إن اتجه شمالاً أو يميناً».
هكذا كان دائما منطق وفكر النيباري الرافض لإقصاء الآخر في كل المواقف، فهو يعتبر أن العمل السياسي هو «فن الممكن» وأن هناك دائما مجالاً للاتفاق طالما بدأ النقاش حول النقاط التي يلتقي بها الطرفان المتحاوران بعيدا عن مواضع الخلاف أو الاختلاف، وهذا بنظره يساعد في تذليل العقبات وحل المشاكل متى وجدت، وهو ما حدث معنا بالفعل عند حل المجلس عام 1986 حين قامت مجموعة الـ 45 التي تضم ممثلين عن جمعيات النفع العام بجمع تواقيع المواطنين لرفعها لسمو أمير البلاد للمطالبة بالعودة للعمل بالدستور. فقد كان بعض قياديي العمل الوطني ضد دعوة الإخوان المسلمين (جمعية الإصلاح) للمشاركة سواء في مجموعة الـ 45 أو مجموعة نواب 85، بينما كان رأي النيباري هو الإصرار على استمالتهم للقوى الوطنية قدر الإمكان، وإخراجهم من عباءة السلطة والحكومة لينضموا إليهم ولو من باب الخجل وذلك لأن أحدا لم يكن ليجرؤ على أن يجاهر بوقوفه ضد مصلحة الوطن، وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على ذكاء النيباري وعمق تجربته في العمل السياسي وطول باعه في هذا المضمار لبلوغ هدفه المنشود.
دواوين الاثنين
أدى الحصار الحكومي وما واكبه من ضغوطات للحد من نشاطنا السياسي بعد حل المجلس عام 1986 إلى وجود أكثر من تجمع جديد ومن ذلك «دواوين الاثنين» نتيجة تنسيق واتفاق بين نواب المجلس الذي تم حله على أن يزاول المجلس نشاطاته من خارج قاعة عبد الله السالم طالما لم يدع لانتخابات جديدة خلال 60 يوما من حله، واتفقوا على أن يجتمعوا كل يوم اثنين في ديوانية احد النواب، وقد سجلت هذه الدواوين حضورا جيدا للنواب الذين كان يتجاوز عددهم في بعض المرات 30 نائبا من أصل 50 في كل لقاء، واعتقد أن أقل نسبة حضور كانت 29.
وللأمانة التاريخية، فقد شكلت «دواوين الاثنين» أداة ضغط على السلطة لاسيما مع انتهاء مدة الستين يوما، ورفض الحكومة لعودة المجلس، ما شرع وقنن لتلك القوى عقد اجتماعات مجلس الأمة خارج المجلس كنوع من الضغط على الحكومة.
وفي دواوين الاثنين كان يتم الاتفاق دائما على موضوع معين، وعلى استضافة مجموعة من المشاركين والمتحدثين، وكان عبد الله النيباري والدكتور الخطيب وجاسم القطامي من أهمهم، لأن أدوارهم وتوجهاتهم كانت واضحة.كان منطقه دائماً رفض إقصاء الآخر مع رؤيته للعمل السياسي على أنه «فن الممكن»
وكان د. أحمد الخطيب يحرص على إقامة ديوانيته الأسبوعية مساء كل ثلاثاء، فاقتحمت الشرطة الديوانية واعتقلته كما اعتقلت عبد الله النيباري وأحمد النفيسي والمرحوم خالد الصانع، واحد تلو الآخر دون أن يتمكنوا حتى من لبس أحذيتهم، وقد مكثوا أسبوعاً في مخفر الشويخ الذي استمر مؤيدوهم بالتجمهر اليومي أمامه، إلى أن أفرج عنهم بعد ذلك بأمر من أمير البلاد الراحل الشيخ جابر الأحمد رحمه الله.
دور مقاوم
وقد كان لعبد الله النيباري دور عظيم في أثناء الغزو العراقي الغاشم، لأنه كان من الصامدين في الداخل، فقد أسهم بشكل مباشر في مخاطبة الكثير من التجار سواء في الداخل أو الخارج لتوفير الأموال لتوزيعها على الأسر الكويتية ممن لم تكن تصلهم الأموال التي يوزعها بعض المحسوبين على السلطة في الداخل والذين كانت تصلهم الأموال من الخارج.
أتذكر بعد دخولي إلى الكويت في شهر نوفمبر أننا كنا نلتقي في بيته وفي بيت د. أحمد بشاره رحمهما الله، كما كان النيباري على تواصل مع بعض الشخصيات الوطنية في الكويت وخارجها من خلال الاتصالات الهاتفية الحذرة جدا من فنادق بغداد أو البصرة ومن خلال بعض الشخصيات التي كانت لديها القدرة على الخروج والعودة من الكويت وأذكر على وجه التحديد الأخ نايف الأزيمع. وكان النيباري يومها يقوم بدوره المهم كمنسق بين التجار الوطنيين الذين لديهم محلات ويزودون الجمعيات بالمواد التموينية والاستهلاكية كعائلة الوزان، مستثمرا بذلك علاقاته الشخصية المتشعبة، فيتسلم منهم أموال التبرعات ويوزعها على عائلات كثيرة، كما أتذكر جيدا عندما صدرت مذكرة إلى الطائف تعبر عن مطالب الكويتيين بالداخل، كان لعبد الله النيباري دور رئيسي في هذا الشأن.
في هذه الفترة، وأثناء الاحتلال العراقي للبلاد، طرح عبد الله النيباري فكرة تأسيس المنبر الديموقراطي الذي تقوم فكرته على استثمار موضوع الاحتلال وتحويله إلى عمل سياسي ديموقراطي وأن نعمل في إطار أوسع، فعقد أول اجتماع مباشرة بعد التحرير، وذلك في بدايات شهر مارس على ما اعتقد، ولم احضره شخصيا لأنني كنت في الأسر حينها، لكني التقيتهم ورفيقي في الأسر د. غانم النجار بعد الإفراج عنا، حيث أخبرونا بما تم الاتفاق عليه والصيغة التي قبلها المجتمعون في الداخل آنذاك للمنبر كأول تنظيم سياسي يعلن عنه في تاريخ الكويت السياسي. وانخرطت للعمل في المنبر من حينها وعملت مع المرحوم فيصل المشعان، لدعوة دواوين الشخصيات الوطنية للانضمام للمنبر.من دروسه الخالدة في السياسة أن «علينا أن نسحب الآخر إلى جانبنا كي نخطو إلى الأمام ولا يهم بعدها إن اتجه شمالاً أو يميناً»
ولادة المنبر الديموقراطي
ومن هنا، بزغت فكرة المنبر التي ضمت جماعة القطامي والخطيب واتحاد الشعب والشخصيات الوطنية المستقلة وكان دور النيباري كبيراً وأساسياً في مسيرة المنبر الديموقراطي.
ويصعب التفكير في مسيرة المنبر الديموقراطي من دون أن نتذكر الدور الكبير للراحلين سامي المنيس وعبدالله النيباري في إدارة دفة المنبر كأمين عام وأمين عام مساعد، ثم تولى النيباري رئاسة المنبر بعد وفاة المرحوم سامي المنيس.
وككثير من التنظيمات السياسية في الكويت لابد من الاختلافات الفكرية والسياسية بين الأعضاء وفي بعض الأحيان في إدارة التنظيم، سواء كان الاختلاف بشأن رغبة البعض لخوض الانتخابات تحت راية المنبر أو ربما لأسباب سياسية كالموقف من بعض القضايا المثيرة للجدل الفكري والسياسي كمقاطعة العملية الانتخابية بعد إقرار الصوت الواحد. وفي كل هذه الحالات كان دور النيباري معززاً للعمل المؤسسي ومحاولا الابتعاد عن الجوانب الشخصانية، إلا أن البعض يؤيد القرارات الديموقراطية عندما تكون لمصلحته ويرفضها ويهاجم التنظيم السياسي أو إدارته إن جاءت النتائج لغير مصلحته، وقد عانى النيباري كثيرا وطاله التجريح من بعض الطامحين للقفز السريع الى قمة العمل المؤسسي.
وقد شهدت عن كثب مدى معاناة «أبومحمد» وتحمله جراء ممارسات البعض من داخل المنبر ومن الخارجين عنه، لكنه كان كتوماً لا يفصح عن مدى الأذى الذي طاله خلال مسيرته السياسية، فقد كان ينظر دوما إلى المستقبل.كان للنيباري دور مفصلي في تأسيس التحالف الوطني الديموقراطي ترجمة لفكرة توحيد القوى المتفقة على الديموقراطية والحريات بإطار واحد
وهو الأمر الذي دفع النيباري للعمل مع المجموعة المكلفة بتأسيس التحالف الوطني الديموقراطي كمظلة تجمع كل المهتمين في العمل الوطني سواء من المنبر أو التجمع الوطني الديموقراطي أو المستقلين، ويحضرني حوار في مكتبة «الطليعة» حين ألح النيباري على ضرورة مشاركتي ضمن أول مكتب سياسي للتحالف في حين كنت أتولى مهمة نائب رئيس تحرير الطليعة، فكان رأيي أن أعطي وقتي للطليعة وهو ما وافقني عليه الدكتور أحمد الخطيب، بينما كان عبدالله يرى ضرورة أن يشارك كل «الشباب» الذين يمتلكون بعض الخبرة في العمل السياسي، كي ينجح التحالف الوليد.
محاولة الاغيتال وعفو المقتدر
تعرض عبدالله النيباري وزوجته فريال الفريح في عام 1997 إلى محاولة اغتيال أثناء عودتهما من منطقة الشاليهات كاد الجناة أن يقضوا على حياتهما، لكن النيباري الذي نجا من تلك المحاولة رغم ما تركته فيه من أثر نفسي وجسدي كبيرين لم يثنه ذلك عن الاستمرار في نضاله ضد الفاسدين مؤكداً أنهم لن يثنوه عن خطه السياسي والديموقراطي، وفي جلسة مجلس الأمة التالية لعودته من العلاج قال: «... إذا كان قصد الجناة في الاعتداء على شخصي المتواضع هو إسكات صوتي ومنعي من القيام بواجبي في حماية أموال الشعب والدولة فإنني أعاهدكم بأن تلك الرصاصات لن تمنعني ولن تعوقني أبداً من أداء واجبي الذي حلفت اليمين أمامكم في هذا المجلس في أن أؤدي واجبي وأقوم بمسؤولياتي لحماية مصالح أهل الكويت والوقوف في وجه أي اعتداء عليها، سيادة الرئيس، شاكراً لكم وللإخوة الأعضاء مشاعركم الفياضة ولأهلي في الكويت تلك المواقف الرائعة والتي أستمد منها قوة ونشاطاً للاستمرار في أداء واجبي.. أشكركم مرة ثانية.. وفقكم الله جميعاً وألهمكم الحكمة والسداد».
الموقف المبدئي أهم من الكسب السياسي
.في إحدى المعارك الانتخابية خلال فترة الـ 25 دائرة (بصوتين) تحالف النيباري مع أحد المرشحين الوطنيين وكانت تعليماته لنا نحن أعضاء الحملة الانتخابية أن ندعو الناخبين من أنصاره إلى إعطاء الصوت الثاني لذلك المرشح، لكننا وفي آخر ساعة حيث أقفل الباب كي يسمح لمن هم داخل المدرسة بالتصويت، جاءني أحد أعضاء اللجنة المخولين بالدخول والخروج من المدرسة ليسأل عن تقديرنا لوضع النيباري فقلت له حسب تقديراتنا سيخسر الانتخابات بعدد ضئيل من الأصوات، فقال ولكن لدينا 50 من أنصار عبدالله داخل المدرسة لو طلبنا منهم التصويت لعبدالله فقط أو تشتيت الصوت الثاني فسينجح ولكن على حساب حليفه، فطلبت منه الانتظار حتى أسأل عبدالله، وليتني لم أسأله، فقد كان رده غاضباً جداً بقوله لي: «تبي الناس يقولون إني نجحت وخسرت حليفي؟ والله إن لم يصوت جميع الخمسين للحليفين فسيكون هذا فراقا بيني وبينك». غضبنا نحن أعضاء الحملة ولامني بعض الزملاء البراغماتيين على مشاورته، لكنني قلت لهم هذا هو النيباري سيخسر المقعد ويكسب نفسه، وفعلا خسر بعدد قليل من الأصوات.
أول مناظرة في تاريخ العمل السياسي الخليجي
.لم يكتف النيباري بتصديه لاتفاقية المشاركة في قاعة مجلس الأمة والصحافة فحسب، بل قام بمناظرة وزير المالية والنفط آنذاك عبدالرحمن سالم العتيقي في تلفزيون الكويت عن اتفاقية المشاركة، حيث كانت الحكومة مؤيدة لتوقيعها باعتبارها أفضل من عقد الامتياز القائم.
وقد استأثرت تلك المناظرة باعتبارها الأولى والفريدة من نوعها في تاريخ المرحلة السياسية في الكويت أو الخليج باهتمام وسائل الإعلام المحلية والخارجية العربية والأجنبية، وكانت حديث الدواوين والتجمعات الكويت بعد أن ظهر عبد الله النيباري فيها لا كسياسي فقط يندد بموقف السلطة التي تريد الانقضاض على الدستور، ولكن كخبير ومتخصص في العنصر الأساسي والجوهري التي تعتمد عليه السلطة وهي الثروة التي تحصل عليها الدولة من النفط، وتوزع منها على المواطنين كاقتصاد ريعي، كمن يملك عمارة ويؤجرها ثم يأخذ الإيجارات وينفق على أبنائه، فلا هو ولا أبناؤه يعملون وينتجون، بل يعيشون على ريع العمارة.
وهذا الحال نفسه هو حال الحكومة التي تستنزف ثروة النفط وتستهلك إيراداتها في الاستهلاك غير المبرر وتذهب هذه الثروة مع الزمن لجيوب الفاسدين بينما تضيع الأجيال القادمة ومستقبلها مقابل محاولة من الحكومة لإلهاء الشعب في الاستهلاك والاعتماد على الدولة منتظرة أن يؤدي ذلك إلى ضعف المطالبة الشعبية بالمشاركة السياسية، واستفراد السلطة في الجزء الأكبر من الثروة وفي مصير البلاد والمواطنين.
وهذه الأمور وغيرها الكثير من المواقف شارك فيها النيباري ليس فقط كعضو في مجلس الأمة فحسب، بل من خلال مشاركاته المكثفة في الندوات التي كان يقدمها أو يشارك فيها عبر منابر جمعيات النفع العام كالجمعية الاقتصادية، وجمعية الخريجين، وجمعية المعلمين، ونادي الاستقلال قبل أن تحل الحكومة مجلس إدارة الأخير وتحول مبناه إلى نادي المعاقين في حولي.
تزوير فاضح للتاريخ
.في تاريخ 6/12/1975 بزغ عهد جديد لصناعة النفط بالكويت حين أعلنت الحكومة الكويتية في المجلس التالي عام 1975 تأميم الثروة النفطية، واستعادة سيطرتها على مواردها الطبيعية، والفضل في ذلك يعود بالطبع لجهد الحركة الوطنية بأكملها وعبدالله النيباري على وجه الخصوص، لأنه كان قائد هذه المعركة وزعيمها الحقيقي وليس الحكومة.
ومن المؤسف جدا أن يتم تغييب هذا الجهود الوطنية تماما عن أبنائنا وبناتنا، إذا إننا - وحتى الآن - عندما نسأل أياً من الطلبة والطالبات الذين يدرسون الاقتصاد في جامعة الكويت، بل وبعض الحاصلين منهم على الدكتوراه، عما يعرفونه عن تلك الفترة وعن الذي حدث فيها، نكتشف بمنتهى البساطة أنهم لا يعرفون عنها شيئا، وأنهم مغيبون عن تلك المرحلة تماما، وهذا بنظري تزييف للحقائق وتزوير فاضح للتاريخ، وانتقاص من جهود وطنيين أحرار كالنيباري استماتوا في الدفاع عن حقوق الوطن والمواطنين، وكنت دائما ما أسال نفسي واكرر تساؤلي كثيرا: «كيف يأتي أناس على هامش الحياة من حيث التأثير المجتمعي وينجحون في الانتخابات متسلقين على أمجاد ونضال عبد الله النيباري، وعلى حساب صوت المرأة التي ناضل هو من اجلها ودافع عن حقوقها بشراسة إلى أن حصلت عليها، فكان أن فازوا هم وخسر هو مقعده النيابي؟».
بل إن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فحتى عندما تناول عبد الله النيباري، ومن قبله النائب حمد الجوعان قضايا الفساد تعرض كلاهما لمحاولة اغتيال، لان الحل عند طيور الظلام كان فقط بالتخلص من هذين الشخصين اللذين يجيدان الحديث بالسياسة، واللذين أمعنا في التنقيب عن أوجه النهب والسرقة في البلاد بشكل حثيث ودقيق قض مضاجع الفاسدين، الذين تتضارب مصالحهم مع المسيرة الإصلاحية والوطنية لهذين الشخصين في فترة حساسة ومهمة من تاريخ البلاد.