لقد جاؤوا بعراقهم معهم في غربتهم، في طريقة معيشتهم، في أطعمتهم، في أغانيهم، وبلهجتهم العراقية، بعاداتهم وتقاليدهم العراقية، ويحلمون بيوم عودتهم إلى وطنهم الذي يعشقونه، والذي لن يستبدلوه بأي وطنٍ آخر. عرفت الكثير عنهم من خلال صداقتي مع مير بصري، وهو من كُتاب العراق الكبار، وله العديد من المؤلفات الأدبية والتاريخية السياسية المضادة للصهيونية، مات في لندن، وكان يطمح أن يُدفن بوطنه العراق.
*** عند الانقلاب البعثي كان عدد يهود بغداد 3300، وقد اتُّخذت بحقهم إجراءات تعسفية مشددة، بمنعهم من السفر، ولم يُسمح لهم بممارسة أي نشاط اجتماعي، وضُربت حولهم عُزلة، فلم يعد بمقدورهم التواصل مع أصدقائهم من المسلمين والمسيحيين، والكثير منهم وُضعوا في السجون عقب حرب الأيام الستة، ومُنعوا كذلك من التنقل من مدينة إلى مدينة أخرى داخل العراق، وحُظر عليهم القيام بأي معاملات مصرفية، ولا يجوز أن يسحب الواحد منهم من ودائعه في البنك أكثر من 100 دينار شهرياً، كما حُرم عليهم تحويل ملكياتهم العقارية، وأُلغيت عضوية أي يهودي في الأندية العائلية، ومُنعوا من ارتيادها، وقُطعت خدمات هواتفهم، وصُودر ملعب طلابهم الرياضي، واشتدت عليهم حملات الإعلام، باعتبارهم يشكِّلون طابوراً خامساً للكيان الصهيوني، فبعد كل هذه الإجراءات التعسفية أصبح أبناء الطائفة اليهودية الموسوية منكمشين على أنفسهم، ويحاول البعض منهم الخروج من جحيم عذاب حزب البعث.
***أنتقل بكم لمشهد قصير من التحقيق مع شاؤول ساسون:
***- هل تعرف فيكتور عزرا؟
- نعم.
- أين هو الآن؟
- لا أعرف.
- كذاب، أنت هرَّبته إلى إيران.
- والله لا أعرف عنه أي شيء.
- إذا ما قلت الحقيقة راح أقتلك.
- الموت بيد الله.
ثم تناول المحقق أنبوباً فولاذياً، وانهال على المواطن اليهودي بالضرب، ثم أدخله إلى سرداب فيه عدد من الأشخاص أمرهم بربط هذا اليهودي العميل إلى مروحة صار يدور فيها كما تدور الأسطوانة، بعد أن جرَّدوه من كل ملابسه، وأخذوا ينهالون عليه بالضرب بالأنابيب الفولاذية...
ثم توقفوا:
- ها، شتقول؟ ألست أنت الذي هرَّبت فيكتور لإيران؟
- لو أنا هرَّبته كنت أقول، وأنا أعلم أن عقوبة ذلك الإعدام، وهو أكرم لي من هذا العذاب، ولكني لم أفعل.
- عطشان؟
- إي والله أستاذ، راح أموت من العطش.
- جيبوا له ماي من المراحيض يمكن يعترف.
* واستمرت وسائل التعذيب مع الرجل الستيني، والذي كان والده حاخام الطائفة اليهودية في العراق إلى قلع الأظفار والكي بالنار... إلخ.
***وقد جاء في كتاب «في جحيم صدام حسين»، الذي ألَّفه شاؤول حاخام ساسون عن تجربته يوم اعتقل في قصر النهاية من القصص المأساوية التي تعرَّض لها يهود العراق، لكن مع كل ما حدث لهم، فإن ذلك لم يجعلهم يحيدون عن حُبهم لوطنهم العراق، ويحلمون بيوم العودة إلى ملاعب صباهم في حواري وساحات وحدائق بغداد.