في تجديد للشراكة بلا حدود التي وقعاها قبل أيام من غزو روسيا لأوكرانيا العام الماضي، أشاد الرئيس الصيني شي جينبينغ ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، خلال لقائهما في موسكو أمس بالتعاون الاستراتيجي الشامل بين بلديهما، متعهدَين بتحقيق الأهداف المشتركة على الساحة الدولية.
وأبدى بوتين «انفتاحاً» على مناقشة خطة بكين للسلام في أوكرانيا المكونة من 12 بنداً، معقباً، خلال لقائه تشي في مستهل زيارته لموسكو التي تستمر ثلاثة أيام: «نحن منفتحون دائماً على عملية تفاوض، سنناقش بلا شكّ كل هذه القضايا بما في ذلك مبادراتكم التي نتعامل معها باحترام».
ورغم علاقات بكين المتميزة مع موسكو في خضم التوتر مع الغرب، عرضت الصين التي تعتبر أن نفوذها الدبلوماسي يضاهي ثقلها الاقتصادي، وساطة، واقترحت الشهر الماضي مبادرة لتسوية النزاع.
وبعد تحقيق الرئيس الصيني اختراقاً دبلوماسياً كبيراً في الشرق الأوسط برعايته اتفاق المصالحة بين السعودية وإيران، يترقب الجميع إمكانية تحقيقه اختراقاً مماثلاً في جدار أزمة أوكرانيا السميك، خصوصاً بعد أن أشارت تقارير إلى أنه سيجري، بعد مغادرته موسكو، اتصالاً بالرئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكي.
في موازاة ذلك، شكك وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أمس في مقترحات بكين «للسلام» في أوكرانيا، مضيفاً للصحافيين أن «على العالم ألا ينخدع بأي قرار تكتيكي من جانب روسيا، بدعم من الصين أو أي دولة أخرى، لتجميد الحرب بشروطها».
وفي تفاصيل الخبر:
في مستهل زيارته الأولى إلى موسكو منذ 4 سنوات، أعطى الرئيس الصيني شي جينبينغ، أمس، دفعة قوية لنظيره الروسي فلاديمير بوتين، الذي يواجه عزلة دبلوماسية غربية، عززتها المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بإصدار مذكرة توقيف بحقه بتهمة ارتكاب جرائم حرب، كما تعهّد بتحقيق الأهداف المشركة للبلدين على صعيد تغيير النظام الدولي.
وخلال لقائهما الأول في «الكرملين»، تبادل الرئيسان الثناء على قيادتهما، وقال شي لبوتين: «روسيا حققت تقدّماً وازدهاراً بفضلك، وأثق بأن شعبها يدعمك بقوة، وسينتخبك مجدداً في 2024»، مضيفاً: «نحن شركاء في تعاون استراتيجي شامل، وهذا الوضع يفرض وجود علاقات وثيقة».
وأكد شي أن الصين وروسيا جيران وشركاء استراتيجيون لديهما أهداف مشتركة عديدة، ويجب العمل على تطوير علاقاتهما وتحقيق جميع الأهداف المتعلقة بالعدالة والمساواة في العالم.
وهنأ بوتين شي بإعادة انتخابه لولاية ثالثة، ورحب بإيلائه «اهتماماً كبيراً لتنمية العلاقات»، وأبلغه بأنه اطّلع بعناية على الخطة الصينية لتسوية الأوضاع في أوكرانيا.
وأشاد بوتين بموقف بكين المتوازن في قضية أوكرانيا، وغيرها من القضايا الدولية، وشدد على أن روسيا منفتحة على المفاوضات وتحترم المبادرة الصينية للسلام المكونة من 12 بندا.
ولفت بوتين إلى أن روسيا والصين حققتا خطوات مهمة في تطوير العلاقات على مدى 10 سنوات، مشيرا إلى ارتفاع حجم التجارة بأكثر من الضعف، ليصل إلى 185 مليار دولار. وأضاف أن الصين تمتلك نظاماً اقتصادياً ونظام حكم ذا كفاءة عالية، بخلاف الكثير من الدول، وحققت تقدماً كبيراً في السنوات الأخيرة، وأصبحت موضع اهتمام حقيقي في جميع أنحاء العالم.
وفي بداية زيارته الأولى أيضاً منذ بدء حرب أوكرانيا قبل 13 شهراً، عبّر الرئيس الصيني عن ثقته بإعطاء «زخم جديد» للعلاقات مع بوتين، مؤكدا استعداده للوقوف بحزم إلى جانبه لحماية القانون الدولي.
وبعد نزوله من الطائرة، واستقباله بكل مراسم الشرف في مطار فنوكوفو الدولي بموسكو، قال الرئيس الصيني: «أنا مقتنع بأن هذه الزيارة ستكون مثمرة، وستعطي زخماً جديداً لتطور سليم ومستقر للعلاقات»، واصفا بكين وموسكو بأنهما «جاران جيدان» و«شريكان موثوقان».
ووفق «الكرملين»، بدأ الرئيس الصيني زيارة الدولة الخارجية الأولى منذ إعادة انتخابه للمرة الثالثة، بلقاء غير رسمي مع بوتين أمس، قبل مفاوضاتهما الرسمية المقررة اليوم، والتي ستتطرق خصوصاً إلى الخطة السلام الصينية لتسوية النزاع في أوكرانيا.
وفي مقال نشرته صحيفة روسيسكايا غازيتا الروسية، وصف الرئيس الصيني الزيارة بأنها «رحلة صداقة وتعاون وسلام»، متطلعاً إلى العمل مع بوتين لاعتماد رؤية جديدة لعلاقات ثنائية تستند إلى مبادئ عدم الانحياز وعدم المواجهة وعدم التوجيه ضد أطراف ثالثة.
وأكد شي أن «علاقات موسكو وبكين تشكّل معياراً لنوع جديد بين الدول يقوم ويعمل على تعزيز الثقة السياسية المتبادلة، والصداقة الأبدية والتعاون المتبادل المنفعة»، مشدداً على أن «زيارة روسيا تهدف إلى تعزيز الصداقة والسلام».
وأوضح الرئيس الصيني أنه اتخذ باستمرار موقفاً موضوعياً وغير متحيز من الأزمة الأوكرانية، ويبذل قصارى جهده من أجل مفاوضات السلام وتحقيق المصالحة. وشدد على أنه سيتم إيجاد طريقة عقلانية للخروج من الصراع وطريق للأمن في العالم إذا استمر الجميع في الحوار والمشاورات على قدم المساواة وبطريقة حكيمة.
وفي مقال نشرته صحيفة الشعب الصينية، أثنى بوتين على «عزم الصين على لعب دور بنّاء في تسوية» النزاع، معتبراً أن «العلاقات الروسية - الصينية بلغت ذروتها التاريخية، وتفوقت على التحالفات السياسية العسكرية للحرب الباردة، وليس لديها قيود أو مواضيع محظورة».
واتهم بوتين واشنطن بمواصلة مساعيها المزدوجة لاحتواء روسيا والصين وزيادة حدّة العقوبات الأحادية المرفوضة على كل مَن لا يخضع لأوامرها، محذّراً من أن حلف الناتو يحاول توسعة أنشطته عالمياً من خلال التسلل لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ.
وقال: «نرى أن المشهد الجيوسياسي الخارجي يمرّ بتغيرات جذرية، الغرب الجماعي يتشبث بشكل يائس بمعتقدات قديمة وهيمنته المراوغة، مما يعرّض مصير دول وشعوب بأكملها للخطر»، مشيراً إلى أنه تم إعلان روسيا «تهديداً مباشراً» والصين «منافساً استراتيجياً».
ومع تأكيد صحيفة وول ستريت جورنال أن شي قد يُجري كذلك محادثات مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بعد عودته إلى الصين، كررت أوكرانيا مطالبتها روسيا بسحب قواتها، معتبرةً أن نجاح الخطة الصينية يعتمد على «استسلام وانسحاب قوات الاحتلال الروسية من الأراضي الأوكرانية».
وقال الناطق باسم وزارة الخارجية، أوليغ نيكولينكو، إن «نتوقع أن تستخدم بكين نفوذها على موسكو لكي توقف الحرب العدوانية».
وفي الشق الاقتصادي المهم أيضاً بالزيارة، أوضح «الكرملين» أن الرئيسين سيوقّعان بصورة خاصة «إعلاناً مشتركاً حول ترسيخ علاقات الشراكة الشاملة والعلاقة الاستراتيجية مع الدخول في عصر جديد»، كما سيوقّعان وثيقة تتعلق بالتعاون الاقتصادي الثنائي حتى 2030.
وفي وقت سابق، أعلن بوتين أمام 200 برلماني في المؤتمر البرلماني الدولي الثاني «روسيا إفريقيا»، استعداده لنقل الحبوب والأسمدة للدول الإفريقية مجانا إذا ما قرر عدم تمديد صفقة الحبوب بعد انتهائها خلال 60 يوماً.
من جهة أخرى، فتحت روسيا، أمس، تحقيقاً جنائياً بحق مدعي وقضاة المحكمة الجنائية الدولية بتهمة «إصدار قرارات غير قانونية ضد شخص معروف بأنه بريء، واتهامه بارتكاب جريمة خطيرة والتحضير لهجوم على ممثل دولة أجنبية»، مبينة أن بوتين بصفته رئيس دولة «يستفيد من حصانة مطلقة من الاختصاص القضائي لدول أجنبية».